كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

ومثالهم إذا كانت جزاء "أيُّهم يأتني أُكْرِمْهُ" و"أيهم تُكْرِمْ أُكْرِمْه" فـ "أيٌّ" نصب بما بعده من الفعل، قال الله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬1) فـ "أَيا" نصبٌ بـ "تدعوا"، و"ما" زائدةٌ.
وإذا كانت موصولة، احتاجت إلى وَصْلها بكلام بعدها يُتمُّها، وتصير اسمًا به كاحتياج "الذِي" و"مَنْ"، و"ما"، إذا كانا بمعنى "الّذي". ويعمل فيها ما قبلها، وما بعدها، كما يعمل في "الذي"، وقد تقدم الكلام على ذلك مستقصى في الموصولات.
وأمّا كونُها موصوفة، ففي النداء خاصّة، إذا أردت نداء ما فيه الألفُ واللام، فتجيءُ بها مجرَّدة من معنى الاستفهام، وتجعلها وُصْلةٌ إلى نداء ما فيه الألفُ واللام، وذلك نحو قولك: "يا أيُّهَا الرجلُ"، "يا أيها الغلامُ"، وهو كثير في الكتاب العزيز، نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (¬2)؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} (¬3) ولزمتها هاء التنبيه كالعِوَض من المضاف إليه، فـ "أيٌّ" مُنادَى مضمومٌ كـ"يَا زيدُ"، و"هَا" للتنبيه، وما بعده صفةٌ له، وقد تقدّم ذلك في النداء.

فصل [الاستفهام بـ "أيّ" عن نكرة في وصل]
قال صاحب الكتاب: وإذا استفهم بها عن نكرة في وصل, قيل لمن يقول: "جاءني رجل": "أي؟ " بالرفع، ولمن يقول: "رأيت رجلاً": "أياً؟ " ولمن يقول: "مررت برجل": "أي؟ " وفي التثنية والجمع في الأحوال الثلاث, "أيان؟ " و"أيون؟ " و"أيينِ؟ " و"أيينَ؟ " وفي المؤنث "أيةٌ؟ " وأما في الوقف, فإسقاط التنوين وتسكين النون.
* * *
سبيلُ "أي" في الاستثبات سبيلُ "مَنْ"، وكان الأصلُ إذا قال القائل: "رأيت رجلًا"، أن تقول: "أي الرجلُ؟ " لأنّ النكرة إذا أُعيدت، عُرّفت بالألف واللام؛ لأنّها تصير معهودة بتقديم ذكرها، فاقتصروا على "أي"، وأعربوه بإعرابِ الاسم المتقدّم، وحكوا إعرابَه، وتثنيتَه، وجمعَه إن كان مثنى، أو مجموعًا، ليُعْلِموا بذلك أنه المقصود دون غيره.
فإذا قال: "جاءني رجل" قلت: "أي؟ " وإذا قال: "رأيت رجلًا"، قلت: "أيا؟ " وإذا قال: "مررت برجلٍ"، قلت: "أي؟ " وإذا قال: "جاءني رجلان" قلت: "أيانِ؟ " وفي النصب والجرّ: "أَيينِ؟ " وإذا قال: "رجال"، قلت: "أيُّونَ؟ " وفي النصب والجرّ:
¬__________
(¬1) الإسراء: 110.
(¬2) البقرة: 172. وغيرها.
(¬3) البقر ة: 21. وغيرها.

الصفحة 427