كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

أن تكون الحالُ خِلْقَةً، فلا يجوز "جاءني زيدٌ أحْمَرَ، ولا أحْوَلَ ولا طويلًا"، فإذا قلت: "متحاوِلًا، أو متطاوِلًا" جاز, لأنّ ذلك شيءٌ يفعله، وليس بخُلْقَةٍ، فيجوز انتقالُه.
والحال تكون بَيانًا لهَيْئة الفاعلِ، أو المفعولِ، فتقول: "جاء زيدٌ قائمًا"، فتكون بيانًا لهيئةِ الفاعل الذي هو زيد، وتقول: "ضربتُ زيدًا قائمًا" إن شئتَ جعلتَه حالًا من الفاعل الذي هو التاءُ، وإن شئت جعلتَه حالًا من المفعول الذي هو زيد، وهذا فيه تسمُّحٌ، وذلك أنّك إذا جعلتَ الحال من التاء، وجب أن تُلاصِقه، فتقول: "ضربتُ قائمًا زيدًا". فإذا أزلتَ الحالَ عن صاحبها، فلم تلاصقه، لم يجز ذلك، لِما فيه من اللَّبْس، إلَّا أن يكون السامعُ يعلَمه كما تعلمُه، فإن كان غيرَ معلوم، لم يجز، وكان إطلاقُه فاسدًا.
وقد تكون الحال منهما معًا، فإن كانتا متّفِقتَيْن، نحوَ: "قائمٍ" و"قائمٍ"، أو "ضاحكٍ" و"ضاحكٍ" فأنت مخيَّرٌ إن شئت فرّقتَ بينهما، فقلت: "ضربتُ زيدًا قائمًا قائمًا" تجعل أحدَهما للفاعل والآخَرَ للمفعول ولا تُبالي أيَّهما جعلتَ للفاعل، لأنّه لا لَبْسَ في ذلك، وإن شئت جمعتَ بينهما، فقلت: "ضربتُ زيدًا قائميْن"، لأنّ الاشتراك قد وقع في الحال، والعاملُ واحدٌ، وصار كأنّك قلت: "ضربتُ قائمًا زيدًا قائمًا"، واستغنيتَ بالتثنية عن التفريق، قال الشاعر [من الوافر]:
مَتى مَا تَلْقَني فَرْدَيْنِ ... إلخ
البيتُ لَعَنْتَرَةَ، وقبله: [من الوافر]
أحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيْهَا ... لِتَقْتُلَنِي فَهَا أنَا ذَا عُمّارًا
والشاهد فيه قوله: فردَيْن، وهو حالٌ من الفاعل والمفعولِ، أي: أنَا فَرْدٌ، وأنت فردٌ. والروانفُ: جمعُ رانِفَةٍ، والرانِفةُ أسْفَلُ الألْيَةِ، وطَرَفُها ممّا يَلِي الأرضَ من الإنسان إذا كان قائمًا. وأمّا قوله: و"تُسْتَطارَا"، فيحتمل وُجوهًا:
أحدُها: أن يكون مجزومًا بحذف النون، والأصلُ "تُسْتَطَارَانِ" فالضميرُ للروانف، وعاد إليها الضميرُ بلفظ التثنية، وإن كان جمعًا لأنّها تثنيةٌ في المعنى، لأنّ كلٌّ ألْيَة لها رانِفةٌ، فهو من قبيلِ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬1).
والثاني: أن يكون عائدًا إلى الأليتَيْن.
والثالثُ: أنّ يكون الضميرُ مفردًا عائدًا إلى المخاطَب، والألفُ بَدَلٌ من نونِ التأكيد، والأصلُ "تستطارَنْ"، فأبْدَلَ من النون ألفًا كما في قوله [من الطويل]:
276 - [وذا النصبَ المنصوبَ لا تنسكنَّه] ... ولا تَعْبُدِ الشّيْطانَ واللَّهَ فاعْبُدَا
يُخاطِب قَرِينَه ويصف نفسَه بالشهامة.
¬__________
(¬1) التحريم: 4. وفي الطبعتين: "وقد"، وهذا تحريف.
276 - البيت للأعشى في ديوانه ص 187؛ والأزهية ص 275؛ وتذكرة النحاة ص 72؛ والدرر 5/ 149؛ =

الصفحة 5