كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)
كقولك: "فيها زيد مقيماً"، وهذا عمرو منطلقاً، وما شأنك قائماً، وما لك واقفاً. وفي التنزيل: {وهذا بعلي شيخاً} (¬1)،و {فما لهم عن التذكرة معرضين} (¬2). و"ليت", و"لعل", و"كأن" ينصبنها أيضًا, لما فيهن من معنى الفعل، فالأول يعمل فيها متقدمًا ومتأخراً ولا يعمل فيها الثاني إلا متقدماً, وقد منعوا في مررت راكباً بزيد أن يجعل الراكب حالاً من المجرور".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ الحال لا بدّ لها من عامل إذ كانت مُعرَبةً، والمعربُ لا بدّ له من عامل. ولا يكون العاملُ فيها إلَّا فعلًا، أو ما هو جارٍ مجرى الفعل من الأسماء، أو شيئًا في معنى الفعل، لأنّها كالمفعول فيها.
فمثال العامل إذا كان فعلًا قولُك: "جاء زيدٌ ضاحكًا"، فـ "زيدٌ" مرتفعٌ بأنّه فاعلٌ، و"ضاحكًا" حالٌ منه، والعاملُ فيهما الفعلُ المذكورُ الذي هو "جَاءَ"، لأنّ الحال صفةٌ من جهة المعنى. ولذلك اشتُرط فيها ما يُشترط في الصفات من الاشتقاق، نحوِ: ضاربٍ، ومضروبٍ، وشِبْهِهما. فكما أنّ الصفة يعمل فيها عاملُ الموصوف، فكذلك الحالُ يعمل فيها العاملُ في صاحب الحال، إلَّا أنّ عمَله في الحال على سبيلِ الفَضْلة، لأنّها جاريةٌ مجرى المفعول، وعمَلَه في الصفة على سبيل الحاجة إليها، إذ كانت مُبيِّنةً للموصوف، فجرتْ مجرَى حرف التعريف. وهذا أحد الفُروق بين الصفة والحال. وذلك أنّ الصفة تفرُق بين اسمَيْن مشترِكَين في اللفظ، والحالَ زيادةٌ في الفائدة والخبرِ، وإن لم يكن الاسمُ مشاركًا في لفظه. ألا ترى أنّك إذا قلت "مررتُ بزيدٍ القائمِ"، فأنت لا تقول ذلك إلَّا وفي الناس رجلٌ آخَرُ اسمُه زيدٌ، وهو غيرُ قائم، ففصلتَ بالقاَئم بينه وبين مَن له هذا الاسمُ، وليس بقائمٍ؟ وتقول: "مررت بالفَرَزْدَق قائمًا"، وإن لم يكن أحدٌ اسمُه الفرزدقُ غيرُه، فضممتَ إلى الإخبار بالمُرور خبرًا آخرَ متّصِلًا به مُفيدًا، إلَّا أنّ الخبر بالمرور على سبيل اللزوم، لأنّه به انعقدتِ الجملةُ، والإخبار بالقيام زيادةٌ، يجوز الاستغناءُ عنها.
ومثالُ ما كان جاريًا مجرى الفعل من الأسماء اسمُ الفاعل، واسمُ المفعول، والصفةُ المشبَّهةُ باسم الفاعل، نحوُ قولك: "زيدٌ ضاربٌ عمرًا قائمًا". فـ "قائمٌ" حال من "عمرٍو"، والعاملُ فيه اسمُ الفاعل. وتقول: "زيدٌ مضروبٌ قائمًا"، فتكون الحالُ من المضمر في اسم المفعول، وهو العاملُ. وتقول: "زيدٌ حسنٌ قائمًا"، فتكون الحالُ من المضمر في الصفة، وهي العاملةُ في الحال، لأنّها مشبَّهةٌ باسم الفاعل على ما سيأتي بَيانُه.
ومثالُ العامل فيها إذا كان معنَى فعلٍ قولُك: "زيدٌ في الدار قائمًا"، فـ "قائمًا" حالٌ
¬__________
(¬1) هود: 72.
(¬2) المدثر: 49.
الصفحة 7
440