كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 2)

مَجْزِيّون بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ" (¬1)، و"المَرْءُ مقتولٌ بما قَتَلَ به إن خَنْجَرَا فخنجرٌ، وإن سَيفًا فسيفٌ" أي: إن كان عَمَلُه خيرًا فجَزاؤُه خيرٌ، إن كان شرًّا فجزاؤه شرٌّ. ومنهم من ينصبهما، أي: إن كان خيرًا كان خيرًا، والرفعُ أحْسَنُ في الآخِر. ومنهم من يرفعهما، ويُضمِر الرافعَ، أي: إن كان معه خنجرٌ. فالذي يُقتَل به خنجرٌ قال النّعْمان بن المُنْذر [من البسيط]:
318 - قد قِيلَ ذلك إن حَقًّا وإن كَذِبًا ... [وما اعْتِذارُكَ من شيء إذا قيلا] "
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ "كَانَ" قد تُحذَف كثيرًا، وهي مرادة، وذلك لكثرتها في الكلام. فمن ذلك قولُهم: "الناسُ مَجْزيون بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌ"، فلَكَ في هذه المسألة أربعةُ أوجه من الإعراب: أن تنصبهما جميعًا، وأن ترفعهما جميعًا، وأن تنصب الأوّلَ وترفع الثانِيَ، وأن ترفع الأوّلَ وتنصب الثاني. فإذا نصبتَهما جميعًا قلت: الناسُ مجزيون باْعمالهم إن خيرَا فخيرًا". وانتصابُهما بفعلَيْن مضمرَيْن أحدهما شرطٌ، والآخرُ جزاءٌ, خُذفا لدلالة "إن" عليهما، إذ لا يقع بعدها إلّا فعل. والتقدير: إن كان عمله خيرًا، فيكون جزاؤه خيرًا، أو فهو يُجْزَى خيرًا. فالأوّل خبرُ "كَانَ" المحذوفةِ، والثاني خبرُ "كَانَ" الثانية، إن قدّرتَ "كَانَ"، أو مفعولٌ ثانٍ إن قدّرت "يُجْزَى".
¬__________
(¬1) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في مجمع الأمثال 2/ 341.
3 - التخريج: البيت للنعمان بن المنذر في الأغاني 15/ 295؛ وأمالي المرتضى 1/ 193؛ وخزانة الأدب 4/ 10، 9/ 552؛ والدرر 2/ 82؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 352؛ وشرح شواهد المغني 1/ 188؛ والكتاب 1/ 260؛ والمقاصد النحوية 2/ 66؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 118؛ ومغني اللبيب 1/ 61.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "قيل": فعل ماضٍ مبني للمجهول "ذلك": "ذا": اسم إشارة مبنّي في محلّ رفع نائب فاعل، واللام: حرف للبعد، والكاف: حرف للخطاب. "إن": حرف شرط جازم. "حقًّا": خبر "كان" المحذوفة مع اسمها. "وإن كذبًا": الواو: حرف عطف، والبقية تعرب إعراب "إن حَقًّا"."وما": الواو حرف استئناف، و"ما": اسم استفهام فى محلّ رفع خبر مقدم. "اعتذارك": مبتدأ مؤخر مرفوع، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "من شيء": جار ومجرور متعلّقان بـ "اعتذارك". "إذا": ظرف متعلّق بالخبر. "قيلا": فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف: للإطلاق، ونانب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
وجملة "قد قيل": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إن كان حقًّا" في محلّ نصب حال. وجملة "وما اعتذارك": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إن كذبًا": معطوفة على الجملة الشرطية السابقة فهي مثلها، وجوابها مثل جواب السابقة أيضًا. وجملة "قيلا": في محلّ جرّ بالاضافة.
والشاهد فيه قوله: "إن حَقًّا وإن كذبًا" حيث حذفت "كان" مع اسمها بعد "إن" الشرطية، وبقي الخبر، وذلك شائع.

الصفحة 85