كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 2)
الشمس، وكان القمر في الثور وفي بيت السعادة، وكان الرأس في برج الجوزاء، وهو بيت الشقاء، وفي تلك الدقيقة من الساعة كان استقبال أمر الدنيا، فكان خيرها وشرّها وانحطاطها وارتفاعها، وسائر ما فيها على قدر مجاري البروج والنجوم، وولاية أصحاب الألوف، وغير ذلك من أحوالها. ولأنّ المشتري كان في السرطان في شرفه وزحل في الميزان في شرفه والمرّيخ والشمس والقمر في إشرافها دلت على كائنة جليلة، فكان نشوء العالم، وانبرز زحل.
فتولى الألف هو والميزان وكان المشتري في الطالع مقبولا. وكذلك جميع الكواكب كانت مقبولة، فدل على نماء العالم وحسن نشوءه، وكان زحل هو المستولي والعالي في الفلك والبرج طويل المطالع، فطالت أعمار تلك الألف وقويت أبدانهم، وكثرت مياههم وكون الميزان تحت الأرض دل على خفاء أوّل حدوث العالم، وعلى أنّ أهل ذلك الزمان ينظرون في عمارة الأرضين وتشييد البنيان. ثم ولي الألف الثاني العقرب والمريخ، وكان في الطالع المرّيخ، فدل على القتل في ذلك الألف وسفك الدماء، والسبي والظلم والجور والخوف والهمّ والأحزان والفساد وجور الملوك، وولي الألف الثالث القوس وشاركه عطارد والزهرة بطلوعهما، وكان الذنب في القوس، فدل المشتري على النجدة في تلك الألف والشدّة والجلد والبأس والرياسة والعدل، وتقسيم الملوك الدنيا، وسفك الدماء بسبب ذلك، ودلت الزهرة على ظهور بيت العبادة وعلى الأنبياء، ودل عطارد على ظهور العقل والأدب والكلام، وكون البرج مجسدا دلّ على انقلاب الخير والشرّ في تلك الألف مرّات، وعلى ظهور ألوان من آيات الحق والعدل والجور.
ثم ولي الألف الرابع الجدي، وكان فيه المرّيخ فدل على ما كان في تلك الألف من إهراق الدماء، ودلت الشمس على ظهور الخير والعلم، ومعرفة الله تعالى، وعبادته وطاعته وطاعة أنبيائه، والرغبة في الدين مع الشجاعة والجلد، وكون البرج منقلبا هو والبرج الذي فيه الشمس دلّ على انقلاب ذلك في آخرها، وظهور الشرّ والتفرّق والقسم والقتل وسفك الدماء والغصب في أصناف كثيرة، وتحوّل ذلك وتلوّنه، وكون الجدي منحطا دلّ على أنه يظهر في آخر تلك الألف الحسن الشبيه بصفة زحل والمريخ وانقطاع العظماء والحكماء، وبوارهم وارتفاع السفلة، وخراب العامر، وعمارة الخراب، وكثرة تلوّن الأشياء، وولي الألف الخامس الدلو بطلوع القمر، وكان القمر في الثور، فدل الدلو لبرودته وعسره على سقوط العماء وعطلة أمرهم، وارتفاع السفلة والعبيد، ومحمدة البخلاء، وظهور الجيش الأسود والسواد، وعلى كثرة التفتيش، والتفكر وظهور الكلام في الأديان ومحبة الخصومات وكون القمر في شرفه يدل على قهر الملوك، وظهور ولاة الحق، ونفاذ الخير، وظهور بيوت العبادة والكف عن الدماء، والراحة والسعادة في العامّة وثبات ما يكون من العدل والخير، وطول المدّة فيه وكون البرج مائيا يدل على كثرة الأمطار والغرق وآفة من البرد يهلك فيها
الصفحة 10
456