كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 2)
طوال لا يفهم كلامهم، ومنها أمّة مدوّرة الوجوه لهم شعور بيض، وأذناب كأذناب البقر ورؤوسهم في صدورهم لهم شعور وثديّ، وهم أناس كلهنّ ليس فيهنّ ذكر يلقحن من الريح، ويلدن أمثالهنّ، ولهنّ أصوات مطربة يجتمع إليهنّ كثير من هذه الأمم لحسن أصواتهنّ، ومنها أمّة على خلق بني آدم سود وجوههم، ورؤوسهم كرؤوس الغربان، ومنها أمّة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الأجسام تأكل، وتشرب مثل الأنعام، ومنها أمّة كوجوه دواب البحر لها أنياب كأنياب الخنازير، وآذان طوال، ويقال: إنّ هذه الثمانية والعشرين أمّة تناكحت، فصارت مائة وعشرين أمّة.
وسئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هل كان في الأرض خلق قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال: نعم خلق الله الأرض، وخلق فيها الجنّ يسبحون الله ويقدّسونه لا يفترون، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويلقون الملائكة، ويسلمون عليهم ويستعملون منهم خبر ما في السماء، ثم إنّ طائفة منهم تمرّدت، وعتت عن أمر ربها، وبغت في الأرض بغير الحق، وعدا بعضهم على بعض، وجحدوا الربوبية، وكفروا بالله، وعبدوا ما سواه، وتغايروا على الملك حتى سفكوا الدماء، وأظهروا في الأرض الفساد، وكثر تقاتلهم، وعلا بعضهم على بعض، وأقام المطيعون لله تعالى على دينهم، وكان إبليس من الطائفة المطيعة لله والمسبحين له، وكان يصعد إلى السماء، فلا يحجب عنها لحسن طاعته.
ويروى: أنّ الجنّ كانت تفترق على إحدى وعشرين قبيلة، وأنّ بعد خمسة آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا يقال له: شملال بن ارس، ثم افترقوا فملكوا عليهم: خمسة ملوك، وأقاموا على ذلك دهرا طويلا، ثم أغار بعضهم على بعض، وتحاسدوا، فكانت بينهم وقائع كثيرة، فأهبط الله تعالى إليهم إبليس، وكان اسمه بالعربية: الحارث، وكنيته أبو مرّة، ومعه عدد كثير من الملائكة، فهزمهم وقتلهم، وصار إبليس ملكا على وجه الأرض، فتكبر وطغى، وكان من امتناعه من السجود لآدم ما كان، فأهبطه الله تعالى إلى الأرض، فسكن البحر، وجعل عرشه على الماء، فألقيت عليه شهوة الجماع، وجعل لقاحه لقاح الطير وبيضه.
ويقال: إنّ قبائل الجنّ من الشياطين خمس وثلاثون قبيلة، خمس عشرة قبيلة تطير في الهواء وعشر قبائل مع لهب النار، وثلاثون قبيلة يسترقون السمع من السماء، ولكل قبيلة ملك موكل بدفع شرّها، ومنهم صنف من السعالي «1» يتصوّرون في صور النساء الحسان، ويتزوّجن برجال الأنس ويلدن منهم، ومنهم صنف على صور الحيات إذا قتل أحد منهم واحدة هلك من وقته، فإن كانت صغيرة هلك ولده أو عزيز عنده.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنّ الكلاب من الجنّ فإذا رأوكم تأكلون،
الصفحة 13
456