كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 2)
كتاب جليل القدر، وهذا اشتقاق بعيد لولا أنّ الرواية جاءت به، وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج: تاريخ كل شيء آخره، وهو في الوقت غايته، يقال: فلان تاريخ قومه، أي إليه ينتهي شرفهم، ويقال: ورّخت الكتاب توريخا وأرخته تأريخا، اللغة الأولى لتميم، والثانية لقيس، ولكل أهل ملة تاريخ، فكانت الأمم تؤرخ أوّلا بتاريخ الخليقة، وهو ابتداء كون النسل من آدم عليه السلام، ثم أرخت بالطوفان، وأرخت ببخت نصر، وأرخت بفيلبس، وأرخت بالإسكندر، ثم بأغشطش، ثم بأنطيس، ثم بدقلطيانوس، وبه تؤرخ القبط، لم يكن بعد تاريخ القبط إلا تاريخ الهجرة، ثم تاريخ يزدجرد، فهذه تواريخ الأمم المشهورة، وللناس تواريخ أخر قد انقطع ذكرها.
فأما تاريخ الخليقة، ويقال له: ابتداء كون النسل، وبعضهم يقول: بدو التحرّك، فإنّ لأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس في كيفيته، وسياقة التاريخ منه خلافا كثيرا، قال المجوس والفرس: عمر العالم اثنا عشر ألف عام على عدد بروج الفلك وشهور السنة، وزعموا أنّ زرادشت صاحب شريعتهم قال: إن الماضي من الدنيا إلى وقت ظهوره ثلاثة آلاف ومائتا سنة وثمان وخمسون سنة، وإذا حسبنا من أوّل يوم كيومرت الذي هو عندهم الإنسان الأوّل، وجمعنا مدّة كل من ملك بعده، فإنّ الملك ملصق فيهم غير منقطع عنهم، كان العدد منه إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وثلثمائة وأربعا وخمسين سنة، فإذا لم يتفق التفصيل مع الجملة، وقال قوم: الثلاثة الآلاف الماضية إنما هي من خلق كيومرت فإنه مضى قبله ألف سنة، والفلك فيها واقف غير متحرّك، والطبائع غير مستحيلة، والأمّهات غير متمازجة، والكون والفساد غير موجود فيها، والأرض غير عامرة، فلما تحرّك الفلك حدث الإنسان الأوّل في معدن النهار، وتولد الحيوان وتوالد وتناسل الإنس فكثروا، وامتزجت أجزاء العناصر للكون والفساد، فعمرت الدنيا، وانتظم العالم.
وقال اليهود: الماضي من آدم إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان وأربعون سنة.
وقال النصارى: المدّة بينهما خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة، وزعموا أن اليهود نقصوها، ليقع خروج عيسى ابن مريم عليه السلام في الألف الرابع وسط السبعة آلاف التي هي مقدار العالم عندهم، حتى تخالف ذلك الوقت الذي سبقت البشارة من الأنبياء الذين كانوا بعد موسى بن عمران عليه السلام، بولادة المسيح عيسى، وإذا جمع ما في التوراة التي بيد اليهود من المدّة التي بين آدم عليه السلام، وبين الطوفان، كانت ألفا وستمائة وستا وخمسين سنة، وعند النصارى في إنجيلهم ألفان ومائتا سنة واثنتان وأربعون سنة، وتزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط، وتزعم النصارى: أن توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف، ولا تبديل، وتقول اليهود: فيها خلاف ذلك، وتقول السامرية: بأنّ
الصفحة 18
456