كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 2)

خلاف حركة الكل إلى أيّ نقطة فرضت، ابتداء حركتها، وذلك أنها تستوفي الأزمنة الأربعة التي هي الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، وتحوز طبائعها الأربع، وتنتهي إلى حيث بدأت، وفي هذه المدّة يستوفي القمر اثنتي عشرة عودة، وأقلّ من نصف عودة، ويستهل اثنتي عشرة مرّة، فجعلت المدّة التي فيها عودات القمر الاثنتا عشرة في فلك البروج سنة للقمر على جهة الاصطلاح، وأسقط الكسر الذي هو أحد عشر يوما بالتقريب، فصارت السنة على قسمين: سنة شمسية، وسنة قمرية، وجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ سنيهم من مسير الشمس والقمر، فالآخذون بسير الشمس خمس أمم وهم:
اليونانيون، والسريانيون، والقبط، والروم، والفرس، والآخذون بسير القمر خمس أمم هم:
الهند، والعرب، واليهود، والنصارى، والمسلمون.
فأهل قسنطينية والإسكندرية، وسائر الروم والسريانيون والكلدانيون، وأهل مصر، ومن يعمل برأي المعتضد أخذوا بالسنة الشمسية التي هي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم بالتقريب، وصيروا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما، وألحقوا الأرباع بها في كل أربع سنين يوما حتى انجبرت السنة، وسمّوا تلك السنة كبيسة لانكباس الأرباع فيها.
وأما قبط مصر القدماء: فإنهم كانوا يتركون الأرباع حتى يجتمع منها أيام سنة تامّة، وذلك في كل ألف وأربعمائة وستين سنة، ثم يكبسونها سنة واحدة، ويتفقون حينئذ في أوّل تلك السنة مع أهل الإسكندرية وقسطنطينية.
وأما الفرس: فإنهم جعلوا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما من غير كبس حتى اجتمع لهم من ربع اليوم في مائة وعشرين سنة أيام شهر تامّ، ومن خمس الساعة الذي يتبع ربع اليوم عندهم، يوم واحد، فألحقوا الشهر التامّ بها في كل مائة وست عشرة سنة، واقتفى أثرهم في هذا أهل خوارزم القدماء والصفد، ومن دان بدين فارس، وكانت الملوك البيشدادية منهم، وهم الذين ملكوا الدنيا بحذافيرها يعملون السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما كل شهر منها: ثلاثون يوما سواء، وكانوا يكبسون السنة كل ست سنين بيوم، ويسمونها كبيسة، وكل مائة وعشرين سنة بشهرين أحدهما بسبب خمسة الأيام، والثاني بسبب ربع اليوم، وكانوا يعظمون تلك السنة ويسمونها المباركة.
وأما قدماء القبط: وأهل فارس في الإسلام، وأهل خوارزم والصفد فتركوا الكسور أعني الربع، وما يتبعه أصلا. وأما العبرانيون، وجميع بني إسرائيل، والصابئون، والحرّانيون فإنهم أخذوا السنة من مسير الشمس، وشهورها من مسير القمر لتكون أعيادهم، وصيامهم على حساب قمريّ، وتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السنة، فكبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بستة أشهر، ووافقهم النصارى في صومهم، وبعض أعيادهم لأن مدار أمرهم على نسخ اليهود، وخالفوهم في الشهور إلى مذهب الروم والسريانيين، وكانت

الصفحة 22