كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 2)

ومضى من الطوفان إلى سنة الهجرة المحمدية ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وعشرون سنة، وأربعة أشهر وأيام.
وبقي من سني العالم حتى يبتدئ ويفنى مائة ألف وبضع وسبعون ألف سنة شمسية، أوّلها تاريخ الهجرة الذي يؤرخ به أهل الإسلام.
وقال أصحاب الأزجهير: مدّة العالم التي تجتمع فيها الكواكب برأس الحمل هي وأوجاتها وجوزهراتها: جزء من ألف جزء من مدّة: السند هند، وهذا أيضا منتزع من قول البراهمة.
وقال أبو معشر، وابن بو بخت: إنّ بعض الفرس يرى أنّ عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدّة البروج، لكل برج ألف سنة، فكان ابتداء أمر الدنيا في أوّل ألف الحمل، لأنّ الحمل والثور والجوزاء تسمى: أشرف الشرف، وينسب إلى الحمل: الفصل، وفيها تكون الشمس في شرفها، وعلوّها، وطول نهارها، ولذلك كانت الدنيا كانت إلى ثلاثة آلاف سنة: علوية روحانية طاهرة، ولأن السرطان والأسد والسنبلة: منتقصة، فإنّ الشمس تنحط من علوّها في أوّل دقيقة من السرطان، وكان قدر الدنيا وأبنائا منحطا في الثلاثة آلاف الثانية، ولأن الميزان أهبط الهبوط، وبئر الآبار، وضدّ البرج الذي فيه شرف الشمس دل على أنه أصابت الدنيا واكتسب أهلها المعصية، والميزان والعقرب والقوس إذا نزلتها الشمس لم تزدد إلّا انحطاطا، والأيام إلّا نقصانا. فلذلك دلت على البلايا والضيق، والشدّة والشرّ، وحيث تبلغ الآلاف إلى أوّل الجدي الذي فيه أوّل ارتفاع الشمس، وإشرافها على شرفها، وفيه تزداد الأيام طولا، والدلو والحوت اللذان تزداد الشمس فيهما صعودا، حتى تصل لشرفها فيدل على ظهور الخير، وضعف الشرّ، وثبات الدين والعقل والعمل بالحق والعدل، ومعرفة فضل العلم والأدب في تلك الثلاثة الآلاف سنة، وما يكون في ذلك فعلى قدر صاحب الألف والمائة والعشرة، وعلى حسب اتفاق الكواكب في أوّل سلطان صاحب الألف، فلا يزال ذلك في زيادة حتى يعود أمر الدنيا في آخرها إلى مثل ما كان عليه ابتداؤها، وهي في ألف الحمل وكلما تقارب آخر كل ألف من هذه الألوف اشتدّ الزمان، وكثرت البلايا لأنّ أواخر البرج في حدود النحوس، وكذلك في آخر المئين والعشرات، فعلى هذا الانقضاء للدنيا إذا كان الزمان يعود إلى الحمل كما بدأ أوّل مرّة.
وزعموا أن ابتداء الخلق بالتحرّك كان والشمس في ابتداء المسير، فدار الفلك، وجرت المياه، وهبت الرياح، واتقدت النيران، وتحرّك سائر الخلائق بما هم عليه من خير وشرّ، والطالع تلك الساعة تسع عشرة درجة من برج السرطان، وفيه المشتري، وفي البيت الرابع الذي هو بيت العافية، وهو برج الميزان زحل، وكان الذنب في القوس، والمرّيخ والجدي والزهرة وعطارد في الحوت، ووسط السماء برج الحمل، وفي أوّل دقيقة منه

الصفحة 9