كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

وقال أبو زيد: سمعت من يقول "وَمَا كَانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبَهُم"1 [الأنفال: 33] بفتح اللام. وهذا من الشذوذ بحيث لايقاس عليه. وأشد منه ما حكاه اللحياني عن بعضهم أنه كسر اللام الجارة مع المضمر2، فقال: المال له؛ وإنما كان هذا أشد من الأول من قبل أن أصل اللام الفتح؛ فإذا ردت في بعض المواضع على ضرب من التأول إليه؛ فله وجه من القياس. وأما الكسر ففرع، والحمل على الأصول أجوز من النزول إلى الفروع. ووجه جوازه أنه لما شبه المظهر بالمضمر فى فتح لام الجر معه نحو قراءة سعيد بن جبير وغيرها، كذلك شبه المضمر بالمظهر فى كسر لام الجر معه فى هذه الحكاية الشاذة. وكما شبهت الباء فى بزيد باللام فى لِزيد حتى كسرت مثلها؛ كذلك جاز أيضًا لبعضهم أن شبه الباء باللام؛ ففتحها مع المضمر كما يفتح اللام معه، وذلك أيضًا فى ما حكاه اللحياني من قول بعضهم: مررت به، بفتح الباء3، وهذه التشابيه إنما تقع شبيهًا بالغلط، على أن أصحابنا فى كثير مما يحكيه اللحياني كالمتوقفين.
حكى أبو العباس عن إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت اللحياني ينشد:
كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد جليت علي عشار4
فقلت له: ويحك! إنما هو: قد حلبت علي عشاري، فقال لي: وهذه أيضًا رواية.
__________
1 جاءت هذه الآية ردًا على إدعاء الكفار بأن يعذبهم الله أو يمطر عليهم حجارة من السماء؛ فكانت هذه الآية رحمة من الله تمهلهم فلا تأخذهم بعنادهم؛ فهم يمهلون إكرامًا لوجود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم. انظر/ في ظلال القرآن الكريم للسيد قطب "3/ 1505".
الشاهد فيها: قراءة اللام بالفتح.
2 المضمر: كسر اللام الجارة مع المضمر لغة خزاعة.
3 فتح الباء: مثل قوله: مررت بَه، لغة اشتهرت بها قبائل متعددة مثل قضاعة.
4 نسب صاحب اللسان البيت للفرزدق، مادة "ع ش ر". لسان العرب "4/ 573".
فدعاء: هي التي تمشي على ظهر قدميها لوجود اعوجاج فى المفاصل كأنها فارقت مواضعها، وأكثر ما يكون فى رسغ القدم أو اليد. مادة "ف د ع". لسان العرب "8/ 246".
عشار: "م" عشراء، والعشراء من النوق ما مضى على حملها عشرة أشهر. اللسان "4/ 572" ويبدو أن الفرزدق يهجو جرير ويسبه ويعيره ويقبحه ويخبره بأن له عمة وخالة تشبه كلاهما الناقة فى مشيتها المتعرجة المعوجة إذا ما مر على حملها عشرة أشهر.

الصفحة 13