كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

وأنشدنا أبو علي لعنترة:
ينباع من ذفري غصوبٍ جسرة ... زيافة مثل الفنيق المكدم1
وقال: أراد "ينبع"، فأشبع فتحة الباء.
فإن سأل سائل فقال: إذا كان "ينباع" إنما هو إشباع "ينبع"؛ فما تقول في "ينباع" هذه اللفظة إذا سميت بها رجلًا؟ أتصرفه معرفة أم لا؟
فالجواب: أن سبيله أن لا يصرف معرفة؛ وذلك أنه وإن كان أصله "ينبع"، فنقل إلى "ينباع"؛ فإنه بعد النقل قد أشبه مثالًا آخر من الفعل، وهو "ينفعل"، نحو "ينقاد"، و"ينحاز"؛ فكما أنك لو سميت رجلًا بـ "ينقاد" و"ينحاز"؛ لما صرفته معرفة؛ فكذلك ينباع وإن كان قد فقد لفظ ينبع، وهو يفعل؛ فقد صار إلى ينباع الذي هو بوزن ينحاز.
__________
1 البيت ينسب إلى عنترة العبسي وهو فى ديوانه ومن معلقاته.
وعنترة هو: أبو المغلس عنترة بن شداد العبسي، وأمه زبيبة وهى أمة حبشية، وقد استعبده أبوه على عادة العرب فى استعباد أبناء الأماء إلى أن فرض نفسه بقوته وبسالته وشجاعته على والده حتى اعترف بنسبه، وكان عنترة بطلًا شجاعًا كبير النفس رقيق القلب رحب الصدر عفيفًا، هاجت شاعريته وازدادت واتسع خياله، واشتهر شعره ولا سيما معلقته هذه التي منها هذا البيت وقد سميت معلقته بالذهبية.
ينباغ: أصلها ينبع. اللسان "8/ 453".
الذفري: ما خلف الأذن. القاموس "2/ 35".
الجسرة: قال الفيروز أبادي: ناقة جسرة ومتجاسرة ماضية. القاموس "1/ 390" مادة/ جسر.
زيافة: فعل زاف أي أسرع فى تبختر وخيلاء. القاموس "3/ 150" مادة/ زاف.
الفنيق: الفحل المقدم لا يركب لكرامته على أهله. القاموس "3/ 277" مادة/ فنيق.
المكدم: الفحل إذا كان قويًا نيب فيه. اللسان "12/ 510".
ويقول عنترة: ينبع هذا العرق من خلف أذن ناقة غضوب موثقة الخلق، شديدة التبختر في سيرها مثل فحل من الإبل قد كدمته الفحول، وقد شبهها بالفحل فى تبخترها ووثاقة خلقها.
الشاهد في البيت: إشباع فتحة ينبع فأصبحت ينباع، وقد أشبع الفتحة لإقامة الوزن فتولد عن إشباعها ألف.
إعراب الشاهد: ينباع: فعل مضارع مرفوع.

الصفحة 21