كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

فالجواب: أن بينهما فرقًا، وذلك أن الأسماء المقصورة التي حروف إعرابها ألفات، وإن كانت في حال الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، فإنه قد يلحقها من التوابع بعدها ما يُنبه على مواضعها من الإعراب، وذلك نحو الوصف في قولك: هذه عصًا مُعوجّةٌ، ورأيت عصا معوجةً، ونظرت إلى عصا معوجةٍ، فصار اختلاف إعراب "معوجة" دليلا على اختلاف أحوال "عصا" من الرفع والنصب والجر.
وكذك التوكيد نحو قولك: عندي العصا نفسُها، ورأيت العصا نفسَها، ومررت بالعصا نفسِها، فاختلاف إعراب "النفس" دليل على اختلاف إعراب "العصا" وأنت لو ذهبت تصف الاثنين لوجب أن تكون الصفة بلفظ التثنية، ألا تراك لو تركت التثنية بالألف على كل حال لوجب أن تقول في الصفة: رأيت الرجلان الظريفان، ومررت بالرجلان الظريفان، فيكون لفظ الصفة كلفظ الموصوف بالألف على كل حال، فلا تجد هناك من البيان ما تجده إذا قلت: رأيت عصا معوجةً أو طويلةً أو قصيرةً أو نحو ذلك مما يبين فيه الإعراب.
وكذلك البدل نحو: رأيت أخواك الزيدان، ومررت بأخواك الزيدان، فلا تجد في التابع بيانا يدل على حال المتبوع، فلما كان كذلك عدلوا إلى أن قلبوا لفظ الجر والنصب إلى الياء ليكون ذلك أدل على تمكن الاسم واستحقاقه الإعراب. ونظير قلبهم الألف في لتثنية ياء في الجر والنصب قولهم هدَيَّ وعَصَيَّ ألا ترى أنهم قلبوا الألف "ياء لما كانت ياء المتكلم يكسر ما قبلها، فاعرفه.
على أن من العرب من لا يخاف اللبس، ويجري الباب على أصل قياسه، فيدع الألف ثابتة في الأحوال الثلاث، فيقول: قام الزيدان، وضربتُ الزيدان، ومررتُ بالزيدان، وهم بنو الحارث بن كعب، وبطن من ربيعة، وأنشدوا في ذلك:
تزود منا بين أُذْناه طعنةً
دعته إلى هابي التراب عقيم1
__________
1 البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان "صرع" "8/ 197"، "15/ 351" مادة/ هبا.
طعنة: أثر الطعن.
هابي التراب: ما ارتفع ودق. اللسان "15/ 351".
عقيم: لا فائدة منه. اللسان "12/ 413" مادة/ عقم.
والشاهد فيه "أذناه" حيث لم تقلب ألف أذناه ياء وهي لغة بنو الحارث

الصفحة 339