كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

ونظير هذا الذي ذهب إليه أبو علي قولُهم: "عقلته بثنايَيْن"1، ولو كانت ياء التأنيث إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة، فيقال: "عقلته بثناءين، وذلك لأنها ياء وقعت طرفًا بعد ألف زائدة، فجرت مجرى ياء "رداء" و"رِماء" و"ظِباء".
ونظير هذا قولهم في الجمع: هؤلاء مَقتَوُون3، ورأيت مَقتَوِينَ، ومررت بمقتَوِين، فلو كانت الواو والياء في هذا أيضًا إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن يقال: هؤلاء مَقتَوْن، ورأيت مَقتَيْنَ، ومررت بمَقتَينَ، ويجري مجرى "مُصطَفَيْنَ".
فهذا كله يؤكد مذهب سيبويه في أن الألف والياء والواو حروف الإعراب في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، والقول فيهما من وجه واحد.
وأما قول أبي الحسن: إن الألف ليست حرف إعراب ولا هي إعراب، ولكنها دليل الإعراب، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم منصوب أو مجرور، وقال: ولو كانت حرف إعراب لما عرفت بها رفعا من نصب ولا جر، كما أنك إذا سمعت دال "زيد" لم تدلك على رفع ولا نصب ولا جر، فإنه غير لازم، وذلك أنا قد رأينا حروف الإعراب بلا خلاف تفيدنا الرفع والنصب والجر، وذلك نحو: أبوك وأخوك، وأباك وأخاك، وأبيك وأخيك؛ ألا ترى أن الواو حرف الإعراب، وقد أفادتنا الرفع، والألف حرف الإعراب، وقد أفادتنا النصب، والياء حرف الإعراب، وقد أفادتنا الجر.
فأما قوله: إنها ليست بإعراب، فصحيح، وسنذكر ذلك في فساد قول الفراء والزيادي. فأما قوله: لو كانت الألف حرف إعراب لوجب أن يكون فيها إعراب هو غيرها كما ذلك في دال "زيد" فيفسد بما ذكرناه من الحجاج في هذا عند شرح مذهب سيبويه أول.
وبلغني أن أبا إسحاق قال منكرا على أبي الحسن أنها دليل الإعراب: إن الإعراب دليل المعنى، فإذا كانت الألف تدل على الإعراب، والإعراب دليل، فقد
__________
1 عقلته بثنايين: عقلت يديه جميعًا بعقالين، والتثنية حبل من شعر أو صوف. اللسان "14/ 121"
2 من قوله "لو كانت الياء" إلى قوله "ظباء" نقله عن المصنف نصا ابن منظور.
3 مقتوون: الخدام واحدهم مقتوى.

الصفحة 344