كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

وأخبرنا أبو علي1 أن أبا العباس أحمد بن يحيى حكى عنهم: لا وَرَبْيِكَ لا أفعل، أراد: لا وربك لا أفعل، فأبدل الباء الثانية ياء لأجل التضعيف.
وقال بعضهم2 في لَبَّيتُ بالحج: إنما هو لَبَّبْتُ: فَعَّلْتُ من قولهم: أَلَبَّ بالمكان؛ أي أقام به، قرأت3 على أبي علي للمُضَرب بن كعب:
فقلت لها: فِيئي إليك فإنني ... حَرامٌ، وإني بعد ذاكِ لَبِيب4
أي: مُلَب بالحج5.
قال ابن السكيت: "وقوله: بعد ذاك، أي: مع ذاك"6.
فأما حقيقة "لَبَّيْتُ" عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء وإنما الياء في "لبيت" هي الياء في قولهم "لبيك وسعديك" اشتقوا من الصوت فعلا، فجمعوه من حروفه، كما قالوا من "سبحان الله": "سبحلت"، ومن "لا إله إلا الله": "هللت"، ومن "لا حول ولا قوة إلا بالله": "حولقت"، ومن بسم الله": "بسملت"، ومن "هلم"- وهو مركب من "ها" و"لم" عندنا7، ومن "هل" و"أم" عند البغداذين8- "هلممت"9.
وكتب إلي أبو علي في شيء سألته عنه، قال بعضهم: سألتك حاجة فلا لَيتَ لي، أي: قلت لي: لا، وسألتك حاجة فلَوْلَيتَ لي، أي: قلتَ لي: لولا. قال: وقالوا: بَأْبَأَ الصبيُّ أباه، أي: قال له: بابا.
__________
1 حكى ذلك في المسائل العسكريات "ص27".
2 بعضهم: هو الخليل كما في اللسان "لبب" "2/ 227".
3 قرأه في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص133".
4 البيت ذكره صاحب الجمهرة "2/ 142"، وكذا في الإبدال لابن السكيت "ص133".
والشاهد في قوله "بعد ذلك" أي "مع ذلك".
5 ملب بالحج: قال أبو عبيدة: "ورجل ملب" وإنما هو من ألببت، أي، قد أقمت بالمكان.
6 كتاب الإبدال "ص133".
7 يعني البصريين. الكتاب "2/ 158".
8 هم الكوفيون كما في شرح الكافية الشافية "ص1391" وممن قال به منهم الفراء.
9 هلممت: هلممت بالرجل: قلت له هلم.

الصفحة 374