كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)
وهذا ليس عذرا مقنعا، وإنما فيه بعض التأنيس، والقول بعدُ قولُ سيبويه. فقول من قال: إن لبَّيتُ بالحج من قولنا: "أَلَبَّ بالمكان" إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه، ألا ترى أن الياء في "لبيك" عند يونس إنما هي إبدال من الألف المبدلة من الياء المبدلة من الباء الثالثة في "لبَّبَ" على تقدير قول يونس، وهذا كله منتزع من قول سيبويه والخليل: إن لبيك من قولهم ألَبَّ بالمكان1، إلا أنهما لم يزعما أن الياء في "لبيك" بدل من باء، وإنما الياء عندهم علم على التثنية، وإن وزن "لبيك" على قولهما "فَعْلَيْكَ" كما أن "سعديك" كذلك لا محالة، ووزنه عند يونس "فَعْلَلْكَ"، والياء فيه بدل من اللام الثانية، فاعرف هذه المسألة، فإنها من لطيف ما في هذا الكتاب، وإن أعان الله على شرحه وتفسيره سُقت جميعه من التقصي والتنظيف على هذه الطريق، وعلى ما هو ألطف وأدق بإذن الله.
__________
1 الكتاب "1/ 176-177".
إبدال الياء من الراء:
وذلك قول بعضهم: "شِيراز"1 و"شَرَاريز" حكاها أبو الحسن، فأصل "شيراز" على هذا "شِرَّاز" فأبدلت الراء الأولى ياء.
ومثله قولهم: "قيراط" و"قراريط" وأصله "قِرّاط" والعلة واحدة.
فأما من قال في "شِيراز": "شَواريز" فإنه جعل الياء فيه مبدلة من واو، وكان أصله على هذا "شِوْراز"، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، ثم إنه لما زالت الكسرة في الجمع رجعت الواو، فقالوا: "شَوَاريز".
فإن قلت: فإن بناء "فِوْعال" ليس موجودا في الكلام، فمن أين حملت واحد "شَوَاريز" عليه؟
فالجواب: أن ذلك إنما رُفض في الواحد لأجل وقوع الواو ساكنة بعد الكسرة، فلم يمكن إظهارها، فلما لم يصلوا إلى إظهار الواو في الواحد لِما ذكرناه، وكانوا يريدونها أظهروها في الجمع ليدُلوا على ما أرادوه في الواحد، وليُعلموا أنها لم تُزَد في
__________
1 شيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. القاموس المحيط "2/ 178" مادة/ شرز.
الصفحة 377
447