كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: فقد حكى أبو زيد: "لقيته فينة والفينة"، وقالوا للشمس "إلاهة" و"الإلاهة"، وليست "فينة" ولا "إلاهة" بصفتين؛ فيجوز تعريفهما وفيهما اللام كالحارث والعباس.
فالجواب: أن "فينة" و"الفينة"1 و"إلاهة" و"الإلاهة" مما اعتقب عليه تعريفان: أحدهما بالألف واللام، والآخر بالوضع والعلمية، ولم نسمعهم يقولون "لات" ولا "عزى" بغير لام؛ فدل لزوم اللام على زيادتها وأن ما هي فيه ليس مما اعتقب عليه تعريفان.
وأنشدنا أبو علي2:
أما ودماء لا تزال كأنها ... على قنة العزى وبالنسر عندما3
قال أبو علي: "واللام في النسر زائدة" وهو كما قال؛ لأن النسر بمنزلة "عمرو".
واعلم أنك لا تجد في كلامهم اسمًا يغلب على واحد من أمته وفيه لام التعريف لازمة له إلا وهو مشتق أو مشتق منه صفة كان أو مصدرًا؛ فالصفة نحو الحارث والعباس والحسن والمظفر.
ألا ترى أن أصل هذا أن تقول: "مررت برجل الحارث"، و"نظرت إلى آخر عباس"، و"جاءني الحارث". والمصدر نحو: "الفضل" و"العلاء"؛ وإنما دخلتهما اللام لأنك قدرتهما قبل على قول من قال: "مررت برجل فضل"، و"كلمني رجل علاء"، كما يقول:
__________
1 فينة: الفينة الساعة والحين، ويقال الفينة بعد الفينة. القاموس "4/ 256".
2 أبو علي: أنشده في المسائل الحلبيات.
والبيت لعمرو بن عبد الجن كما في اللسان "13/ 6".
3 دماء: نكرة للدلالة على الكثرة.
لا تزال: أسلوب نفي غرضه التوكيد.
كأنها: أسلوب تشبيه تمثيلي.
قنة العزى: أعلاها.
النسر: اسم صنم كان لذي الكلاع بأرض حمير.
عندما: العندم: البقم وهو شجر يصبغ به.
الشاهد فيه: زيادة اللام في نسر لأنه اسم علم والاسم العلم يندر أن تلازمه لام التعريف، ذلك أن نسرًا بمنزلة عمرو وغيره من الأسماء.
والبيت ذكره ابن منظور في مادة "أبل" ضمن أبيات نسبها إلى ابن عبد الجن. اللسان "11/ 6".

الصفحة 40