كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

فأما قول الشاعر1:
يخُط لامَ ألفٍ موصولِ ... والزايَ والرا أيّما تهليل2
فإنما أراد "الراء" ممدودة، فلم يمكنه ذلك لئلا ينكسر الوزن، فحذف الهمزة من الراء، وجاء بذلك على قراءة أبي عمرو في تخفيف الأولى من الهمزتين إذا التقتا في كلمتين، وكانتا جميعًا متفقتي الحركتين نحو قوله" "فقد جا أشراطها" [محمد: 18] و" "إذا شا أنشره" [عبس: 22] على ما يرويه أصحابه من القراء عنه، فكذلك كان أصل هذا: "والزاي والراء أيما تهليل" فلما اتفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين كما حذفها أبو عمرو.
فإن قلت: ولم حذف أبو عمرو الأولى من الهمزتين، وإنما ارتدع عند الثانية، وهلا حذف الهمزة الآخرة التي انتهى دونها، وارتدع عندها؟ 3
فالجواب: أنه قد علم أن ههنا همزتين، وقد اعتزم حذف إحداهما، فكان الأحرى بالحذف عنده التي هي أضعفهما، والهمزة الأولى أضعف من الثانية في مثل هذا؛ ألا ترى أن الهمزة من "جاء" لام، وأن الهمزة من "أشراط" قبل الفاء، والفاء أقوى من العين، والعين أقوى من اللام، وما قبل الفاء أشد تقدما من الفاء التي هي أقوى من العين التي هي أقوى من اللام، فكان الحذف بما هو آخر أولى منه بما هو أول، فلذلك حذف أبو عمرو الأولى لضعفها بكونها آخرا، وأقر الثانية لقوتها بكونها أولا.
فهذا أحد ما يصلح أن يحتج به لأبي عمرو -رحمه الله- في حذفه الأولى من الهمزتين إذا كانتا من كلمتين ومتفقتي الحركتين.
وسألت أبا علي عن هذا الذي ذكرناه في "باء" و"تاء" ونحوهما، فقلت: ما تقول في هذه الألف التي قبل الهمزة؟
أتقول: إنها منقلبة عن واو أو ياء، أو تقول: إنها غير منقلبة؟
__________
1 البيت في اللسان في مادة "زيا" "14/ 367"، والخزانة "1/ 56".
2 الشاهد فيه "الرا" حيث أراد الراء ممدودة فاسمها "الراء" وليس "الرا".
3 وارتدع عندها: تراجع عندها.

الصفحة 410