كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

وذكرت ذلك في كتابي1 في شرح تصريف أبي عثمان -رحمه الله- فتجنبت الإطالة بذكره هنا.
فإذا كان هذا وغيره مما ندع ذكره اكتفاء بهذا قد أعلت عينه ولامه جميعًا، جاز أيضًا أن تحمل "باء" و"طاء" و"هاء" وأخاوتهن في إعلال عيناتها ولاماتها جميعًا عليه، فقد صار إذن تركيب "طاء" و"حاء" ونحوهما بعد التسمية من "ط وي" ومن "ح وي"وصارا كأنهما من باب "طويت" و"حويت" وإن لم يكونا في الحقيقة منه، ولكنهما قد لحقا بحكمه، وجريا في القضية مجراه، فلو اشتققت على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلا على "فَعَلْت" لقت من الباء "بويت"، ومن التاء "تويت"، ومن الثاء "ثويت"، ومن الحاء "حويت"، ومن الخاء "خويت" ومن الراء "رويت"، ومن الطاء "طويت"، ومن الظاء "ظويت"، ومن الفاء "فويت"، ومن الهاء "هويت"، ومن الياء "يويت" كما تقول في "فَعَّلت" من "طَوَيت" و"حَوَيت": "طَوّيت" و"حَوّيت".
هذا هو القياس الذي تقضيه حقيقة النظر، وأما المسموع المحكي عنهم فإن يقولوا "ببَّيت، وتيّيت، وثيَّيت، وحيَّيت، وخيَّيت، وطييت، وظييت، ويييت ياء حسنة" وكذلك بقية أخواتها، فظاهر هذا القول يدل من رأيهم على أنهم اعتقدوا أن الألف في نحو: باء، وتاء، وحاء، وخاء بدل من ياء، وجعلوا الكلمة من باب "حييت" و"عييت" ونحوهما مما عينه ولامه ياءان.
والذي حملهم على هذا عندي سماعهم الإمالة في ألفاتهن قبل التسمية وبعدها؛ ألا تراك تقول إذا تهجيت: با تا ثا حا خا را طا ظا ها يا، وقالوا بعد التسمية والنقل: باء، وتاء، وثاء، وحاء، وطاء، وظاء، فلما رأوا الإمالة شائعة في هذه الألفات قبل النقل وبعده حكموا لذلك بأن الألفات فيهن منقلبات عن ياءات، وأنها قد لحقت في الحكم بالألفات المنقلبات من الياءات، فلذلك قالوا: حييت حاء، وطييت طاء، ونحو ذلك. وأنا أذكر وجه الإمالة في هذه الحروف، وأدل على صحة القياس الذي ذهب إليه أبو علي.
__________
1 هو المسمى "المنصف" "2/ 152".

الصفحة 414