كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)
فإن سأل سائل فقال: من أين لك الواو في هذا المثال، وأنت تعلم أن الأول من الحرفين المدغم إنما هو ياء في "أي" ثم زدت على الياء كما زعمت ياء أخرى، فصار "إي" ولسنا نجد للواو هنا مذهبا ولا أصلا، أولست لو بنيت "فعَّلت" من "في: لقلت: فييت فيًّا حسنة، ومن "إي" في قوله تعالى: {إي وربي} [يونس: 53] : أييت، فهلا قلت قياسا على هذا أبيت؟
فالجواب: أن الياء في "في" و"إي" أصلان لا حظ لهما في غيرهما، فوجب عليك إذا أردت أن تكملهما ثلاثيتين أن تعتقد أن الياء فيهما عينان، فإذا زدت على الياء ياء أخرى مثلها صارت الكلمة عندك كأنها من باب "حييت" و"عييت" من مضاعف الياء، فلذلك قلت: فييت فيا، وأييت إيا، وأما الياء في "إي" في الهجاء على ما تأدت إليه الصنعة، فإنما هي بدل من الألف الثانية من الألفين اللتين صورتهما "اا"، ثم قلبت ياء لانكسار الألف الأولى قبلها، فصارت "إي" فقد علمنا بذلك أن أصلها الألف، وأنها إنما قلبت للكسرة قبلها، وإذا كانت الألف المجهولة ثانية عينا أو في موضع العين وجب على ما وصى به سيبويه1 -وقد ذكرناه- أن يعتقد فيها أنها منقلبة عن واو، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت "إي" على هذا الاعتقاد مثل "قي" من القواء2، و"سي" من السواء، ولحقت بما عينه واو ولامه ياء نحو "طويت" و"شويت"، فكما أنك لو بنيت "فعّلت" من "القي" و"السي" لقلت: "قويت" و"سويت" فأظهرت العينين واوين لزوال الكسرة قبلها، وكونها ساكنة قبل الياء، فكذلك ينبغي أن تقول في "أي": "أويت".
فإن جمعت: "إيا" هذه على "أفعال" أقررت الفاء همزة بحالها، وقلت "آواء". وإذا كانوا قد أقروا الهمزة التي هي بدل من العين بحالها في "قويئم" تحقير "قائم" فهم بإقرار الفاء المبدلة همزة بحالها أجدر.
وإن كسرتها على "أفعل" قلت "آو" كما ترى، فاعرف هذا، وتأمله، فإن أحدا من العلماء لم يعمله فيما علمته، ولا تضمنه كتاب، ولا اشتمل عليه تعليق، وهو من غامض3 صنعة التصريف، ولطيف هذا العلم المصون الشريف.
__________
1 الكتاب "2/ 127".
2 القواء: الأرض التي لم تمطر. اللسان "15/ 210".
3 غامض: ما لا يفهم.
الصفحة 425
447