كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

وعلى هذا قال سيبويه "وقد يكون في الأمر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم؛ وذلك قولك: "عبد الله اضربه"، ابتدأت عبد الله؛ فعرفته بالابتداء، ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه، ثم بنيت الفعل عليه، كما فعلت ذلك في الخبر".
فهذا نص من سيبويه يجواز كون خبر المبتدأ أمرًا ونهيًا، وعلى هذا يجوز: "زيد لا يقم أخوه". وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد، وسمعت أبا علي ينشده أيضًا غير مرة:
ألا يا أم فارع لا تلومي ... على شيء رفعت به سماعي1
وكوني بالمكارم ذكريني ... ودلي دل ماجدة صناع2
أي: وكوني بالمكارم مذكرة.
وغير منكر أن يقع لفظ الأمر موقع الخبر؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 25] 3 أي: فليمدن له.
وعلى هذا قول الآخر4:
بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... إما على قعو وإما اقعنسس5
أي: مقام يقال له فيه: أمرس أمرس.
__________
1 يطلب الشاعر من أم فارع أو "فارع" ألا تلومه على شيء، وقوله يا أم فارع أسلوب نداء غرضه الالتماس، والبيت لم نعثر على قائله.
كوني: أسلوب أمر غرضه التمني؛ فهو يتمنى أن تذكر له مكارمه.
وكذا أسلوب الأمر "دلي"، والبيت أسلوبه إنشائي في جملته يحمل غرض النصح والإرشاد والفخر بمكارمه وأمجاده. والبيت كسابقه لم نقف على قائله.
3 الضلالة: الضلال، أو سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب.
فليمدد له الرحمن مدًا: أي فليمل له فيها إملاء. مختصر تفسير الطبري "ص270".
4 الآخر: ذكر البيت صاحب اللسان في مادة "مرس" دون أن ينسبه "6/ 216".
وانظر/ مجالس ثعلب "ص213".
5 اقعنسس: أي تأخر واجذب الدلو. القاموس المحيط "2/ 216".
أمرس: أعد الخيل إلى موضعه من البكرة.
والمرس: الحبل. القاموس "2/ 251".
القعو: البكرة. القاموس المحيط "4/ 379".

الصفحة 67