كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 2)

ألا ترى أن التاء في "يا أمت"؛ إنما هي بدل من ياء "أمي"؛ وإنما أبدلها ألفًا للتخفيف؛ أفلا تراه كيف جمع بين العوض والمعوض عنه.
فهذا يؤكد مذهب أبي بكر وأبي إسحاق في فمويهما. وما ذكرنا فيه من هذين الجوابين أحسن من أن تحمل الكلمة على الغلط منهم، كهمز مصائب، وحلات السويق1، وغير ذلك.
وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: قال بلال بن جرير2:
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة3
فإن أحمد كأنه لم يعرفه؛ فلما فهم قال: هذا جمع بين اللغتين؛ فالهمزة في هذا هي الأصل، وهي التي في قولك: ساءلت زيدًا، والياء هي العوض والفرع، وهي التي في قولك: سايلت زيدًا؛ فقد تراه كيف جمع بينهما في قوله: "سآيلتهم"؛ فوزنه على هذا: فاعلتهم، وهذا مثال لا يعرف له في اللغة نظير.
فإذا ثبت بما قدمناه أن عين "فم" في الأصل واو، فينبغي أن يقضي بسكونها؛ لأن السكون هو الأصل حتى تقوم الدلالة على الحركة الزائدة.
فإن قلت: فهلا قضيت بحركة العين لجمعك إياه على أفواه؛ ألا ترى أن أفعالًا إنما هو في الأمر العام جمع فعل نحو بطل وأبطال، وقدم وأقدام، ورسن4، فاعرف ذلك.
__________
1 حلأت السويق: يقال حلأ السويق حلأه إذا حلاه. القاموس المحيط "1/ 12".
قال الفراء: قد همزوا ما ليس بمهموز؛ لأنه من الحلواء.
2 البيت نسبه إليه صاحب الخصائص "3/ 146".
3 علة: حدث يشغل صاحب عن وجهه؛ كأن تلك العلة صارت شغلًا ثانيًا منعه عن شغله الأول.
يقول الشاعر: إنك إذا حللت عليهم ضيفًا أو سألتهم حق الضيافة؛ وجدت ما يشغلهم عنك.
والبيت أسلوبه خبري تقريري.
والبيت نسبه صاحب اللسان في مادة "سأل" إلى بلال بن جرير. "11/ 319".
4 ورسن: الرسن: الحبل وجمعه أرسان، ورسن الفرس أي شده بالرسن وبابه نصر. وأرسنه أيضًا. مادة "ر س ن". القاموس المحيط "4/ 227".

الصفحة 95