كتاب شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (اسم الجزء: 2)
"واعترض على" المعنى "الأول"، وهو الترتيب المعنوي، "بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} " [الأعراف: 4] فإن الهلاك متأخر عن مجيء البأس في المعنى وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في الفاء. قاله الفراء1.
"و" اعترض أيضًا "بنحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" ومسح رأسه ورجليه"2 "الحديث". فإن غسل الأعضاء الأربعة متقدم في المعنى ومتأخر في الحديث، فلو كانت الفاء للترتيب لما حسن ذلك. "والجواب" من وجهين:
أحدهما: "أن المعنى" على إضمار الإرادة، والتقدير: "أردنا إهلاكها" فجاءها بأسنا، فمجيء البأس مترتب على الإرادة, "وأراد الوضوء" فغسل وجهه ... إلى آخره، فغسل الأعضاء الأربعة مترتب3 على إرادة الوضوء.
الوجه الثاني: أن الفاء فيهما للترتيب الذكري لا المعنوي.
والحاصل أن الجمهور يقولون بإفادتها الترتيب مطلقًا، والفراء يمنع ذلك مطلقًا، وقال الجرمي: لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الإمطار، بدليل: [من الطويل]
................................. ... ..... بين الدخول فحومل4
وقولهم: "مطرنا مكان كذا، فمكان كذا" إذا كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
"و" اعترض "على" المعنى "الثاني" وهو التعقيب. "بقوله تعالى": {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، " فَجَعَلَهُ غُثَاءً " أَحْوَى} [الأعلى: 4-5] فإن إخراج المرعى لا يعقبه جعله غثاء أحوى، أي: يابسًا أسود. "والجواب" من وجهين:
أحدهما: أن جملة "فجعله غثاء" معطوفة على جملة محذوفة، و"أن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء".
"و" الثاني: "بأن الفاء نابت5 عن: ثم"، والمعنى: ثم جعله غثاء، "كما
__________
1 معاني القرآن للفراء 1/ 371.
2 في صحيح البخاري، كتاب الوضوء، 45: باب الوضوء من النور، حديث رقم 196: "حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يكثر من الوضوء، قال لعبد الله بن زيد: أخبرني كيف رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فدعا بتور من ماء فكفأ على يديه ... فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أخذ بيده فمسح رأسه، فأدبر به وأقبل، ثم غسل رجليه". وانظر الحديث في صحيح البخاري برقم 183-184.
3 في "ب": "مرتب".
4 تقدم تخريج البيت برقم 659.
5 في "ب": "نائب".