كتاب شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (اسم الجزء: 2)

الطريقة الثانية: وهي التي حررها ابن عصفور في تصانيفه المتأخرة، فقال1: لم يختلف أحد من البصريين والكوفيين أن نعم وبئس فعلان، وإنما الخلاف بين البصريين والكوفيين فيهما بعد إسنادهما إلى الفاعل، فذهب البصريون إلى أن "نعم الرجل" جملة فعلية، وكذلك "بئس الرجل" وذهب الكسائي إلى أن قولك: نعم الرجل وبئس الرجل، اسمان محكيان بمنزلة "تأبط شرًّا" فـ: نعم الرجل، عنده اسم للمدوح، وبئس الرجل: اسم للمذموم، وهما في الأصل جملتان محكيتان2 نقلتا عن أصلهما، وسمي بهما.
وذهب الفراء إلى أن الأصل في "نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو": رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل عمرو، فحذف الموصوف الذي هو "رجل" فأقيمت الصفة التي3 هي الجملة من "نعم وبئس" وفاعلهما مقامه، فحكم لها بحكمه، فـ: نعم الرجل وبئس الرجل، عندهما رافعان لـ: زيد وعمرو، كما لو قلت: ممدوح زيد ومذموم عمرو.
ويرد قول الكسائي والفراء أنهم لا يقولون: إن نعم الرجل قائم، ولا: ظننت نعم الرجل قائمًا.
والطريق الأولى هي المشهورة وأصحها أن نعم وبئس فعلان جامدان، وعلى ذلك جرى الناظم فقال:
485-
فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين
وإنما لم يتصرفا للزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، فنقلتا عما وضعتا له من الدلالة على المضي وصارتا للإنشاء، فـ"نعم" منقولة من قولك: نعم الرجل، إذا أصاب نعمة، و"بئس" منقولة من قولك: بئس الرجال، إذا أصاب بؤسًا.
ويجوز فيهما أربع لغات: فتح الأول وكسر الثاني على الأصل المنقول عنه، وفتح الأوصل أو كسره مع سكون الثاني وكسرهما عند بني تميم، ولا يجيز الحجازيون فيهما إلا2 الأصل.
قال الخضراوي في أول شرح الإيضاح: "رافعان لفاعلين" عند البصريين
__________
1 لم أجد ابن عصفور فيما عدت إليه من كتبه، وقد ذكره المرادي في شرحه 3/ 79.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "الذي".

الصفحة 76