كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

وذكر الواقدى بإسناد له: أن المقوقس أرسل إلى حاطب ليلة وليس عنده أحد إلا ترجمان له يترجم بالعربية، فقال له: ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها وتصدقنى؟ فإنى أعلم أن صاحبك قد تخيرك من بين أصحابه حيث بعثك، فقال له حاطب: لا تسألنى عن شىء إلا صدقتك، فسأله عن: ماذا يدعو إليه النبى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، وهل يقاتل قومه؟ فأجابه حاطب عن ذلك كله، ثم سأله عن صفته، فوصفه حاطب ولم يستوف، فقال له: بقيت أشياء لم أرك تذكرها، فى عينيه حمرة، قل ما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، ويركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزى بالتمرات والكسرة، ولا يبالى من لاقى من عم وابن عم.
قال حاطب: فهذه صفته. قال: كنت أعلم أنه بقى نبى، وكنت أظن أن مخرجه ومنبته بالشام، وهناك تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج فى العرب فى أرض جهد وبؤس، والقبط لا يطاوعونى فى اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتى إياك، وأنا أضن بملكى أن أفارقه، وسيظهر على البلاد، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ما هاهنا، فارجع إلى صاحبك، فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين، وبغلة من مراكبى، وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا من لين، وغير ذلك، وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب. فارحل من عندى ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا.
فرجعت من عنده وقد كان لى مكرما فى الضيافة، وقلة اللبث ببابه، ما أقمت عنده إلا خمسة أيام، وإن الوفود، وفود العجم ببابه منذ شهر وأكثر. قال حاطب: فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه» .
ذكر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدى مع العلاء بن الحضرمى بعد انصرافه من الحديبية «1»
ذكر الواقدى بإسناد له عن عكرمة قال: وجدت هذا الكتاب فى كتب ابن عباس بعد موته، فنسخته، فإذا فيه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمى، إلى المنذر بن
__________
(1) راجع: تاريخ الطبرى (3/ 645) ، الروض الأنف للسهيلى (4/ 250) ، المصباح المضىء (2/ 335، 338) ، تاريخ اليعقوبى (2/ 78) .

الصفحة 15