كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

هوذة بن على الحنفى صاحب اليمامة والمتوج بها وهو الذى يقول فيه الأعشى، ميمون ابن قيس من كلمة:
إلى هوذة الوهاب أعلمت ناقتى ... أرجى عطاء فاضلا من عطائكا
فلما أتت آطام جو وأهلها ... أنيخت وألقت رحلها بقبائكا
وذكر الواقدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هوذة مع سليط حين بعثه إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هوذة بن على، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن دينى سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك» . فلما قدم عليه سليط بكتاب النبى صلى الله عليه وسلم مختوما أنزله وحياه، واقترأ عليه الكتاب، فرد ردا دون رد، وكتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومى وخطيبهم، والعرب تهاب مكانى فاجعل إلى بعض الأمر أتبعك.
وأجاز سليطا بجائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقرأ النبى صلى الله عليه وسلم كتابه، وقال: «لو سألنى سبابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما فى يده» ، فلما انصرف النبى صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ، يقتل بعدى» ، فقال قائل:
يا رسول الله، فمن يقتله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت وأصحابك» ، فكان من أمر مسيلمة وتكذبه ما كان، وظهر المسلمون عليه فقتلوه، وكان ذلك القاتل من قتله وفق ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وبركاته عليه.
وذكر وثيمة بن موسى أن سليط بن عمرو لما قدم على هوذة بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كسرى قد توجه، وقال له: يا هوذة، إنه قد سودتك أعظم حائلة وأرواح فى النار، وإنما السيد من متع الإيمان ثم زود التقوى، إن قوما سعدوا برأيك، فلا تشقين به، وإنى آمرك بخير مأمور به، وأنهاك عن شر منهى عنه، آمرك بعبادة الله، وأنهاك عن عبادة الشيطان، فإن فى عبادة الله الجنة، وفى عبادة الشيطان النار، فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت، وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهو المطلع.
فقال هوذة: يا سليط، سودنى من لو سودك شرفت به، وقد كان لى رأى اختبر به الأمور فقدته، فموضعه من قلبى هواء، فاجعل لى فسحة يرجع إلى رأيى فأجيبك به إن شاء الله «1» .
__________
(1) انظر التخريج السابق.

الصفحة 20