كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
وفعل أهل فارس، فيما بينهم، مثل ذلك، وتعاهدوا وتواصوا، واقترنوا بالسلاسل، وكان المقترنون ثلاثين ألفا.
وقال سعد للناس: الزموا مواقفكم، لا تحركوا شيئا حتى نصلى الظهر، فإذا صليتم الظهر فإنى مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا، واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم، وإنما أعطيتموه تأييدا، فإذا سمعتم الثانية فكبروا، ولتستتموا عدتكم، فإذا كبرت الثالثة فكبروا، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا ويطاردوا، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
ويروى أنه لما نادى منادى سعد بالظهر، نادى رستم: أكل عمر كبدى أحرق الله كبده علم هؤلاء حتى علموا.
وقيل: إن رستم قال نحوا من هذا عند ما نزل بين الحصن والعتيق، وقد أذن مؤذن سعد الغداة، وراى الناس يتخشخشون، فنادى فى أهل فارس: أن اركبوا، فقيل له: ولم؟
قال: أما ترون إلى عدوكم قد نودى فيهم فتخشخشوا لكم؟ فقال له رجل قد كان رستم بعثه قبل ذلك عينا إلى عسكر المسلمين فانغمس فيهم وعرف حالهم، وانصرف إليه: فأخبره أن ذلك تخشخشهم للصلاة. فقال رستم بالفارسية ما تفسيره: أتانى صوت عند الغداة، وإنما هو عمر الذى يعلم الكلاب العقل، فلما سمع الأذان بالصلاة قال: أكل عمر كبدى.
قالوا: ولما صلى سعد الظهر أمر غلاما كان عمر، رحمه الله، ألزمه إياه، وكان من القراء، بقراءة سورة الجهاد، وكان المسلمون كلهم إذ ذاك يتعلمونها، فقرأها على الكتيبة التى تليه، وقرئت فى كل كتيبة، فهشت قلوب الناس وعرفوا السكينة مع قراءتها.
قال مصعب بن سعد: وكانت قراءتها سنة، يقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند الزحف، ويستقرئها، فعمل الناس بذلك.
قالوا: ولما فرغ القراء، كبر سعد فكبر الذين يلونه، وكبر بعض الناس بتكبير بعض، فتخشخش الناس، ثم ثنى فاستتم الناس، ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال، وخرج أمثالهم من فارس، فاعتوروا الطعن والضرب، وخرج غالب بن عبد الله الليثى وهو يقول:
قد علمت واردة المسالح ... ذات البنان واللبان الواضح