كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

فلما فرغ من خطبته التفت إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: يا عمر، أنت الذى بلغنى عنك أنك تقول على باب النبى صلى الله عليه وسلم: والذى نفس عمر بيده ما مات نبى الله أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا: كذا وكذا، وقال يوم كذا: كذا وكذا، وقال الله تعالى فى كتابه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [30: الزمر] . فقال عمر: والله لكأنى لم أسمع بها فى كتاب الله تعالى قبل ذلك لما نزل بنا، أشهد أن الكتاب كما نزل وأن الحديث كما حدث وأن الله تبارك وتعالى حى لا يموت، صلوات الله على رسوله، وعند الله نحتسب رسوله.
وفى بعض سياق هذا الخبر أن أبا بكر رضى الله عنه لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى فى ناحية البيت عليه برد حبرة، أقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقبله، ثم قال: بأبى أنت وأمى، أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا، ثم رد البرد على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: يا عمر، أنصت. فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل يكلم الناس، فلما سمع الناس كلام أبى بكر أقبلوا عليه وتركوا عمر؛ فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، ثم قال:
يا أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، ثم تلا هذه الآية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمران: 144] إلى آخر الآية.
قال: فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ؛ وأخذها الناس عن أبى بكر، فإنما هى فى أفواهم.
وقال عمر رضى الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت «1» حتى وقعت إلى الأرض، ما تحملنى رجلاى، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات «2» .
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيما كان منه يومئذ:
لعمرى لقد أيقنت أنك ميت ... ولكنما أبدى الذى قلته الجزع
وقلت يغيب الوحى عنا لفقده ... كما غاب موسى ثم يرجع كما رجع
وكان هواى أن تطول حياته ... وليس لحى فى بقا ميت طمع
__________
(1) عقرت: أى دهشت وتحيرت.
(2) انظر الحديث فى: صحيح البخارى فى كتاب فضائل الصحابة (7/ 3667- 3668) .

الصفحة 48