كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
فارسهم، فحملوا وحمل الناس حملة واحدة فانتهوا إليه وقد رمى فرسه بنشابة فسب فصرعه وعار، وأخر عمرا عنه المشركون، وذلك بعد ما طعنوه، وإن سيفه لفى يده يضاربهم به.
فلما رأى أصحابه أخذ برجل فرس أسوار فاحتبسه، وإن الفارسى ليضرب فرسه فما يتحرك، فلما غشيه الجمع رمى بنفسه وخلا فرسه فركبه عمرو، وقال: أنا أبو ثور كدتم تفقدوننى، وثبت عمرو يقاتل فارسا وراجلا، إذا قاتل راجلا شد مقود فرسه فى وسطه وقاتل.
وتزاحف الناس فقال رجل من المسلمين لرجل من الأنصار: أعرنى ترسك، قال: ما بى عنه غنى، ولكن أى أتراس العجم تريد أتيتك به إن شاء الله، فأشار له إلى ترس مذهب، فحمل فلم يزل يقاتل حتى خلص إلى صاحب الترس فقتله واستلب ترسه، فأتى به صاحبه، فقال: دونك.
وصار الناس إلى السيوف، فقاتلوا حتى أعتموا وتحاجزوا عند العتمة عن قتلى وجرحى كثير فى الفريقين، وقتل يومئذ رجل من طيئ يكنى أبا كعب رجلا من المشركين، وأخذ قلنسوته فلبسها، وأقبل يعدو به فرسه وهو يقاتل، فنظر إليه رجل من بجيلة يقال له مضرس، وهو يقاتل، فظن أنه من الفرس فطعنه، فقال: بسم الله، قتلتنى، فقال مضرس: إنا لله وعانقه، فقال: غفر الله لك يا أخى، فبكى مضرس واحتمل أبو كعب، فقال سعد: الشهادة لا تقاد، ولا كل ميتة مظنون غيرها، ولكن من أحب أخذ الدية، فكان مضرس يأتيه يعوده فيبكى حتى تبل دموعه لحيته، ويقول أبو كعب: غفر الله لك يا أخى.
وقال أبو كعب:
لعمرى لقد ثارت رماح مضرس ... بعلج هوى فى الصف من آل فارس
ثم مات أبو كعب بعد أيام من تلك الطعنة، وصفح وليه عن الدية.
ويروى أنه عرض مثل هذا بعينه لرجل آخر من طيئ، أيضا، يقال له: بجير بن عميرة، وكان أحمر شبيها بالعجم، فاستلب رجلا من أهل فارس رايته فأقبل بها، فبصر به رجل من كندة يدعى فروة، فحمل عليه فطعنه، فأصاب مقتله، فنادى بجير: بسم الله، فاعتنقه فروة، فأتيا سعدا فقال لهما: إن الشهادة لا ثواب لها فى الدنيا، ولكن كفوا العجلات.