كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

الأنصار حتى ننظر ما هم عليه. قال: وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبد الله بن عباس قال: أخبرنى عبد الرحمن بن عوف وكنت فى منزله بمنى أنتظره، وهو عند عمر فى آخر حجة حجها عمر قال: فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر فوجدنى فى منزله أنتظره، وكنت أقرئه القرآن، فقال لى: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك فى فلان يقول: والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا، والله ما كانت بيعة أبى بكر إلا فلتة فتمت. قال: فغضب عمر فقال: إنى إن شاء الله لقائم العشية فى الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم. ثم قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم فى الناس، وإنى أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ولا يعودها ولا يضعوها على موضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا، فيعى أهل الفقه مقالتك، ويضعونها موضعها. فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس «1» : فقدمنا المدينة فى عقب ذى الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حذوه تمس ركبتى ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف؛ قال:
فأنكر على سعيد بن زيد ذلك. قال: وما عسى أن يقول مما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو له أهل، ثم قال: أما بعد، فإنى قائل لكم مقالة قد قدر لى أن أقولها ولا أدرى لعلها بين يدى أجلى، فمن عقلها ووعاها فليأخذنها حيث انتهت به راحلته، ومن خشى أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب على؛ إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعلمناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد الرجم فى كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم فى كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف؛ ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم» أو «كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» ، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) انظر: السيرة (4/ 282) .

الصفحة 51