كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

بشير «1» يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما عمر فبايع ثم بايعا معا، ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة، وسعد بن عبادة مضطجع يوعك، فازدحم الناس على أبى بكر، فقال رجل من الأنصار: اتقوا سعدا، لا تطؤه فتقتلوه.
فقال عمر وهو مغضب: قتل الله سعدا، فإنه صاحب فتنة. فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى، وشغلوا عن دفن رسول الله حتى آخر الليل من ليلة الثلاثاء مع الصبح.
وقال ابن أبى عزة القرشى الجمحى فى ذلك:
شكرا لمن هو بالثناء خليق ... ذهب اللجاج وبويع الصديق
من بعد ما دحضت بسعد نعله ... ورجا رجاء دونه العيوق
جاءت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
كنا نقول لها على والرضى ... عمر وأولادهم بتلك عتيق
فدعت قريش باسمه فأجابها ... إن المنوه باسمه الموثوق
وذكر وثيمة بن موسى بن الفرات أنه كان لأشراف قريش فيما كان من شأن الأنصار مقامات محمودة، فمن ذلك أن خالد بن الوليد قام على أثر أبى بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خطيب قريش، فقال:
أيها الناس، إنا رمينا فى بدء هذا الدين بأمر ثقل علينا محمله وصعب علينا مرتقاه، وكنا كأنا منه على أوفاز، ثم والله ما لبثنا أن خف علينا ثقله، وذللنا صعبه، وعجبنا ممن شك فيه بعد عجبنا ممن آمن به، حتى والله أمرنا بما كنا ننهى عنه، ونهينا عن ما كنا نأمر به، ولا والله ما سبقنا إليه بالعقول، ولكنه التوفيق. ألا وإن الوحى لم ينقطع حتى أكمل، ولم يذهب النبى صلى الله عليه وسلم حتى أعذر، فلسنا ننتظر بعد النبى نبيا ولا بعد الوحى وحيا، ونحن اليوم أكثر منا بالأمس، ونحن بالأمس خير منا اليوم، من دخل فى هذا الدين كان من ثوابه على حسب عمله، ومن تركه رددناه إليه، إنه والله ما صاحب هذا الأمر
__________
(1) انظر ترجمته فى: الإصابة ترجمة رقم (694) ، أسد الغابة ترجمة رقم (459) ، الثقات (3/ 33) ، تجريد أسماء الصحابة (1/ 53) ، تهذيب التهذيب (1/ 464) ، الطبقات (94، 190) ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (1/ 130) ، الوافى بالوفيات (10/ 162) ، العبر (1/ 15، 16) ، البداية والنهاية (6/ 353) ، التاريخ الصغير (1/ 73) ، تقريب التهذيب (1/ 103) ، التاريخ الكبير (2/ 98) ، الجرح والتعديل (2/ 374) .

الصفحة 55