كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
تستر ثمانين زحفا تكون عليهم مرة ولهم أخرى، حتى إذا كان فى آخر زحف منها واشتد القتال، قال المسلمون: يا براء، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا، فقال البراء بن مالك: اللهم اهزمهم لنا واستشهدنى، فهزمهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم، فأرزوا إلى مدينتهم، فأحاط المسلمون بها.
فبينا هم على ذلك وقد ضاقت المدينة بهم، وطالت حربهم، خرج رجل إلى النعمان فاستأمنه على أن يدله على مدخل يوصل منه إلى المدينة، ويكون منه فتحها، فأمنه النعمان، فقال: انهدوا من قبل مخرج الماء، ورمى رجل آخر غير ذلك الرجل فى ناحية أبى موسى بسهم يستأمنهم فيه على أن يدلهم على ذلك، فأمنوه فى نشابة، فرمى إليهم بأخرى، ودلهم على مخرج الماء، فندب الأميران أصحابهما، فانتدب لأبى موسى كعب ابن سور ومجزأة بن ثور وبشر كثير.
وانتدب للنعمان أيضا بشر كثير، منهم: سويد بن المثعبة، وعبد الله بن بشر الهلالى، فنهدوا، فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج، وقد تسرب سويد وعبد الله، فاتبعهم الفريقان، حتى إذا اجتمعوا فيها، والناس على رجل من خارج، كبروا فيها، وكبر المسلمون من خارج، وفتحت الأبواب، فاجتلدوا فيها، فأناموا كل مقاتل، وأرز الهرمزان إلى القلعة فأطاف به الذين دخلوا من مخرج الماء، فلما عاينوه وأقبلوا قبله، قال لهم: ما شئتم، قد ترون ضيق ما أنا فيه وأنتم، وإن معى فى جعبتى مائة نشابة، وو الله لا تصلون إلىّ، ما دامت معى نشابة، وما يقع لى سهم إلا فى رجل، وما خير أسارى إذا أصبت منكم مائة بين قتيل وجريح، قالوا: فتريد ماذا؟ قال: أن أضع يدى فى أيديكم على حكم عمر يصنع بى ما شاء، قالوا: فذلك لك.
فرمى بقوسه، وأمكنهم من نفسه، فشدوه وثاقا، واقتسموا ما أفاء الله عليهم، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف، والراجل ألفا. وجاء الرجل الذى خرج بنفسه إلى النعمان، والآخر الذى رمى بالسهم فى ناحية أبى موسى، فقالا للمسلمين: من لنا بالأمان الذى طلبنا علينا وعلى من مال علينا؟ قالوا: ومن مال معكم؟ قالوا: من أغلق عليه بابه مدخلكم، فأجازوا ذلك لهم، وقتل ليلتئذ من المسلمين ناس كثير، منهم مجزأة بن ثور، والبراء بن مالك، قتلهما الهرمزان.
وخرج أبو سبرة من تستر فى أثر الفل، وقد قصد السوس، وأخرج معه النعمان وأبا موسى الهرمزان، حتى نزلوا على السوس، وكتبوا بذلك إلى عمر، فكتب إلى أبى موسى