كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
عذرك وما حجتك فى انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلنى قبل أن أخبرك، قال: لا تخف ذلك. واستسقى ماء، فأتى به فى قدح غليظ، فقال: لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب فى مثل هذا، فأتى به فى إناء يرضاه، فجعلت يده ترعد، وقال: إنى أخاف أن أقتل وأنا أشرب، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه، فأكفأه.
فقال عمر: أعيدوا عليه، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش، فقال: لا حاجة لى فى الماء، إنما أردت أن أستأمن به، فقال عمر: إنى قاتلك، فقال: قد أمنتنى، قال: كذبت، قال أنس: صدق يا أمير المؤمنين، قد أمنته، قال: ويحك يا أنس، أنا أؤمن قاتل مجزأة والبراء ابن مالك، والله لتأتين بمخرج وإلا عاقبتك. قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرنى، وقلت له: لا بأس عليك حتى تشربه، وقال له من حوله مثل ذلك، فأقبل الهرمزان، وقال: خدعتنى، والله لا أنخدع إلا أن تسلم، فأسلم ففرض له على ألفين وأنزله المدينة.
ويروى أن المغيرة بن شعبة كان الترجمان يومئذ بين عمر وبين الهرمزان إلى أن جاء المترجم، وكان المغيرة يفقه من الفارسية شيئا، فقال له عمر: ما أراك بها حاذقا، ما أحسنها أحد منكم إلا خب، ولا خب إلا دق، إياكم وإياها، فإنها تنقص الإعراب.
ذكر فتح السوس
والأخبار التى نذكرها بعد ذلك شديدة الخلاف لبعض ما تقدم، وكذلك قال أبو جعفر الطبرى «1» : إن أهل السير اختلفوا فى أمرها. قال: فأما المدائنى فإنه قال: لما انتهى فل جلولاء إلى يزدجرد وهو بحلوان، دعا بخاصته وبالموبذ، فقال: إن القوم لا يلقون جمعا إلا فلوه، فما ترون؟ قال الموبذ: نرى أن نخرج فننزل اصطخر، فإنها بيت المملكة، وتضم إليك خزائنك، وتوجه الجنود، فأخذ برأيه، وسار إلى أصبهان ودعا سياه، فوجه ثلاثمائة فيهم سبعون من عظمائهم، وأمره أن ينتخب من كل بلدة يمر بها من أحب، فمضى سياه واتبعه يزدجرد، حتى نزلوا اصطخر وأبو موسى محاصر سوس، فوجه سياه إلى السوس، والهرمزان إلى تستر، فنزل سياه منزلا تحول عنه حين سار أبو موسى إلى تستر.
فنزل سياه بينها وبين رامهرمز، ودعا الرؤساء الذين كانوا خرجوا معه من أصبهان، وقد عظم أمر المسلمين عنده، فقال: قد علمتم أنا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم أهل
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 89) .