كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

قال: هذا رأى، وقد كنت أحب أن أتابع عليه، لعمرى لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلىّ الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم، وليقولن: أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب، فأشيروا علىّ برجل أوليه واجعلوه عراقيا، قالوا: أنت أفضل رأيا وأعلم بأهل العراق، وهم عمالك وقد وفدوا عليك وعرفتهم، قال: لأولينها رجلا يكون لأول أسنة يلقاها، النعمان بن مقرن. وكان النعمان بكسكر قد كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، إنما مثلى ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر، وإنى أذكرك الله إلا بعثتنى فى جيش إلى ثغر غازيا، ولا تبعثنى جابيا.
فندب عمر أهل المدينة، فانتدب منهم جمع، فوجههم إلى الكوفة، وكتب إلى عمار بن ياسر أن يستنفر ثلث أهل الكوفة، وأن يسيروا إلى العجم بنهاوند، فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن المزنى، وكتب إلى أهل الكوفة بذلك، وكتب إلى أبى موسى أن يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند، وكتب إلى النعمان: إنى وجهت جيشا من أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة إلى نهاوند، فأنت على الناس ومعك فى الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدى كرب، فأحضرهما الناس وشاورهما فى الحرب، فإن حدث بك حدث، فأمير الناس حذيفة، فإن قتل فجرير بن عبد الله، فإن قتل فالمغيرة بن شعبة، فإن قتل فالأشعث بن قيس، وذكر الأشعث فى هذا غريب، فإن المعروف من عمر، رضى الله عنه، أنه لم يستعمل أحدا ممن ارتد، ولكن هذا وقع فى هذا الحديث، والله أعلم.
وبعث عمر بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف، وقال له: إن سلم الله ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم، فلا ترفعن إلىّ باطلا ولا تمنعن أحدا حقه، وإن هلك ذلك الجند فاذهب فلا أرينك أبدا، فقدم السائب الكوفة فيمن نفر من أهل المدينة، وبعث بكتاب أهل البصرة مع عمرو بن معدى كرب فاستنفرهم أبو موسى فنفر ثلثهم، وخرجوا إلى الكوفة عليهم مجاشع بن مسعود، وعلى أهل الكوفة حذيفة بن اليمان، ثم ساروا جميعا مع من قدم من أهل المدينة إلى نهاوند، وسار النعمان بن مقرن فتوافوا بنهاوند، والأعاجم بها ستون ألفا عليهم ذو الفروة، وهو ذو الحاجب، وهم بمكان يقال له: الاستفيذهان بقرية يقال لها: فيديسجان، دون مدينة نهاوند بفرسخين، وقد خندق الأعاجم وهالوا فى الخندق ترابا قد نخلوه، فبعث النعمان طليحة بن خويلد وبكير بن الشداخ، فارس أطلال، ليعلما علم القوم.
فأما بكير فانصرف، فقيل له: ما ردك؟ قال: أرض العجم، ولم يكن لى بها علم

الصفحة 558