كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

فخفت أن يأخذ علىّ مضيق أو بعض جبالها، ومضى طليحة فأبطأ حتى ساء ظن الناس به، فعلم علمهم ثم رجع فلم يمر بجماعة إلا كبروا، فأنكر ذلك منهم، وقال: ما لكم تكبرون إذا رأيتمونى؟ قالوا: ظننا أنك فعلت كفعلتك. قال: لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم، وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأقام النعمان أياما حتى استجم الناس أنفسهم وظهرهم، فلما كان يوم الأربعاء من بعض تلك الأيام دنا من عسكر المشركين، وقال: إن أمير المؤمنين كتب إلىّ أن لا أقاتلهم حتى أدعوهم، فمن رجل يأتيهم بكتابه؟ ومعه فى عسكره ممن قدم من المدينة عبد الله ابن الزبير وعبد الله بن عمر أو الزبير وابنه عبد الله، فتواكل الناس، فقام المغيرة بن شعبة يتذيل فى مشيته، وكان آدم طويلا ذا ضفيرتين أعور، فأخذ الكتاب فأتاهم، فقال: القوا إلىّ شيئا، فألقوا له ترسا فجلس عليه، فقال الترجمان: ما أقدمكم؟ فذكر ما كانوا فيه من ضيق المعيشة، وقال: كنا أهل جهد وجفاء بين شوك وحجر، ومدر وحية وعقرب، يغير بعضنا على بعض، فأتينا بلادكم فأصبنا مطعما طيبا وشرابا عذبا ولبوسا لينا وطلا باردا، فلسنا براجعين إلى ما كنا فيه حتى نصيب حاجتنا أو نموت.
فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: صدق، فقالوا: إنكم معشر العرب أرجاس أنجاس، وإنما غركم مناخر نبذ جوى الأهواز، وعوران المدائن الذين لقوكم، وإنه ليس ممن ترى إلا فارسى محض أسوار، ولولا فساد الأرض لقتلناكم، فما حاجتكم التى تريدون أن تصيبوها؟ فقرأ عليهم المغيرة كتاب عمر: إنا ندعوكم إلى ما دعاكم الله إليه ورسوله، أن تدخلوا فى السلم كافة، فإن فعلتم فأنتم إخواننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فإن أبيتم الإسلام فالجزية، فإن أبيتم الجزية استنصرنا الله عليكم.
قالوا: الآن حين نقرنكم فى الجبال، فرجع المغيرة، فقال للنعمان: حبست الناس حتى طمحت أبصارهم، أما والله إن لو كنت صاحبها؟ قال: ربما كنت، فلم يخزك الله ولم تخب. ونهض المسلمون للحرب، فأقبل ذو الحاجب على برذون أمام العجم، فقالوا:
انزلوا بالطائر الصالح الذى نصرتم به على الأمم، وتهزمون به العرب، فبرز له رجل من المسلمين فقتله ذو الحاجب، وتهايجوا واقتتلوا حتى كثرت بينهم القتلى والجرحى، ثم تحاجزوا، وغدا المشركون غداة الخميس من غد يجرون الحديد ويسحبون الدروع، وغدا المسلمون على راياتهم فتقدم رجل من العجم قد أعلم بعصابة فيها جواهر أمام أصحابه، فحمل عليه أوفى بن سبرة القشيرى فقتله وسلبه، فنفله النعمان سلبه، وحمل المشركون

الصفحة 559