كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
فتلقاهم المسلمون فاقتتلوا حتى صبغت الدماء ثنن الخيل وتحاجزوا عند السماء، فبات المسلمون يوقدون النيران، ويعصبون بالخرق، لهم أنين من الجراح، ودوى بالقرآن كدوى النحل، وبات المشركون فى المعازف والخمور وبهم من الجراح مثل ما بالمسلمين.
وأصبحوا يوم الجمعة، فأقبل النعمان معلما ببياض، على برذون قصير، عليه قباء أبيض مصقول وقلنسوة بيضاء مصقولة، فوقف على الرايات فحضهم، وقال: يا معشر المسلمين، إن هؤلاء قد أخطروا لكم أخطارا وأخطرتم لهم أخطارا، أخطروا لكم دنيا، وأخطرتم لهم الإسلام، فالله الله فى الإسلام أن تخذلوه، فإنكم أصبحتم بابا بين المسلمين والمشركين، فإن كسر الباب دخل على الإسلام ليشغل كل امرئ منكم قربه ولا يخلفه على صاحبه، فإنه لوم وخذلان ووهن وفشل، إنى هاز الراية فإذا هززتها فليأخذ الرجال همايينها فى أحقيتها وشسوعها فى نعالها، وليتعهد أصحاب الخيل أعنتها وحزمها، فإذا هززتها الثانية فليعرف كل امرئ منكم مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله، فإذا هززتها الثالثة وكبرت فكبروا واستنصروا الله واذكروه، فإذا حملت فاحملوا.
فقال رجل من أهل العراق: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، فنحن واقفون عند قولك، منتهون إلى رأيك، فأى النهار أحب إليك؟ أوله أم آخره؟ قال: آخره حين تهب الرياح، وتحل الصلاة وينزل النصر لمواقيت الصلاة، فأمهل الناس حتى إذا زالت الشمس، هز الراية فقضى الناس حوائجهم وشدت الرجال مناطقها، ونزع أصحاب الخيل المخالى عن خيلهم وقرطوها أعنتها وشدوا حزمها وتأهبوا للحرب، ثم أمهل حتى إذا كان فى آخر الوقت هزها فصلى الناس ركعتين وجال أصحاب الخيل فى متونها وصوبوا رماحهم فوضعوها بين آذان خيولهم، وأقبلت الأعاجم على براذينهم عليهم الرايات المدبجة، والمناطق المذهبة، ووقف ذو الحاجب على بغلة، فلقد رأى الأعاجم وهم فى عدتهم وإن لأقدامهم فى ركبهم لزلزلة، وإن الأسوار ليأخذ النشابة فما يسدد الفوق للوتر وما يتمالك أن يضعها على قوسه.
فقال النعمان: يا معشر المسلمين، إنى هاز الراية وحامل فاحملوا، ولا يلوى أحد على أحد، وإن قيل قتل النعمان، فلا يلوين علىّ أحد، وأنا داع بدعوة فعزمت على كل رجل منكم إلا أمن، ثم قال: اللهم اعط النعمان اليوم الشهادة فى نصر المسلمين، وافتح عليهم، ثم نثل درعه، وهز الراية وكبر، فكبر الأدنى فالأدنى ممن حوله حتى غشيهم التكبير من السماء، وصوب رايته كأنها جناح طائر، وحمل وحمل الناس، فكان أول