كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
التى أصبح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا أعظم من هذه الليلة، قال: أبشر بفتح الله وحسن قضائه لك فى جنودك، ثم اقتص الخبر حتى انتهى إلى قتل النعمان، فقال: إنا لله، يرحم الله النعمان، ثم مه، قال: ثم والله ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه، قال: لا أم لك ولا أب، قتل الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر ابن أم عمر، وأكب طويلا وبكى، ثم قال:
أصيبوا بمضيعة؟ قال: لا، ولكن أكرمهم الله بالشهادة، وساقها إليهم، فقال: ويحك، أغلبتم على أجساد إخوانكم أم دفنتموهم؟ قال: دفناهم، قال: فأعطيت الناس حقوقهم؟
قال: نعم.
قال: فنهض عمر فأخذ السائب بثوبه وقال: حاجة، قال: ما حاجتك إذ أعطيت الناس حقوقهم؟ قال: حاجة لك وإليك، فجلس، فجر السائب الغرارة فأخرج السفطين ففتحهما ونظر إلى ما فيهما كأنه النيران يشب بعضها بعضا، فقال عمر: ما هذا؟
فأخبره، فدعا عليا وعبد الله بن أرقم وغيرهما، فختموا على السفطين وقال له: اختم معهم، فختمه، وقال لعبد الله بن أرقم: ارفعه، ورجع السائب، فرأى عمر ليالى كالحيات يردن نهشه، فسرح رجلا، وكتب إلى السائب: إن صادفك رسولى فى الطريق فلا تصلن إلى أهلك حتى تأتينى، وإن وصلت إلى أهلك فعزمة منى إليك إذا قرأت كتابى أن تشد على راحلتك وتقبل إلىّ، وكتب إلى عمار: لا تضعن كتابى حتى ترحل إلىّ السائب، وأمر الرسول أن يعجله، فقدم الرسول، فقال له السائب: أبلغه عنى شىء أم به علىّ سخطة؟ قال: ما رأيت ذلك ولا أعلمه، بلغه عنك خير ولا شر.
وركب فقدم على عمر، فقال له: يا ابن أم مليكة، يا ابن الحميرية، ما لى ولك أم ما لك ولى، ثكلتك أمك، ما الذى جئتنى به؟ فلقد بت مما جئتنى به مروعا أظن الحيات تنهشنى، أخبرنى عن السفطين، فقال: والله لئن أعدت عليك الحديث فزدت حرفا أو نقصت حرفا لأكذبن، قال: إنك لما انصرفت فأخذت مضجعى لمنامى أتتنى الملائكة، فأوقدوا علىّ سفطيك جمرا ودفعوهما فى نحرى وأنا أنكص وأعاهدهم أن أردهما فأقسمهما على من أفاءهما الله عليه، فكاد ابن الخطاب يحترق، ثم لم أزل مروعا أظن الحيات تنهشنى، فأردد هذين السفطين فبعهما بعطاء الذرية والمقاتلة أو بنصف ذلك، وأقسم ثمنها على من أفاءهما الله عليه.
وقال بعضهم: قال له: بعهما واجعل ثمنهما فى أعطية المسلمين بالبصرة والكوفة، فإن خرج كفافا فذاك، وإن فضل فاجعله فى بيت مال المسلمين.