كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

تلك الساعة تحشحش النعمان وسار فى الناس على برذون أحوى قريب من الأرض، فجعل يقف على كل راية فيحمد الله عز وجل ويثنى عليه ويقول: قد علمتم ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور، وقد أنجز لكم هوادى ما وعدكم وصدوره، وإنما بقيت أعجازه وأكارعه، والله منجز وعده، ومتبع آخر ذلك أوله، واذكروا ما مضى إذ أنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم اليوم عباد الله حقا وأولياؤه، وقد علمتم انقطاعكم من إخوانكم من أهل الكوفة، والذى لهم فى ظفركم وعزكم، والذى عليهم فى هزيمتكم وذلكم، وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم، وما أخطرتم وما أخطروا لكم، فأما ما أخطروا لكم فهذه الزينة وما ترون من هذا السواد، وأما ما أخطرتم لهم فدينكم وبيضتكم، ولا سواء ما أخطرتم وأخطروا، فلا يكونن على دنياهم أحمى منكم على دينكم، وأتقى الله عبد صدق الله وأبلى نفسه فأحسن البلاء، فإنكم بين خيرين تنتظرون إحدى الحسنيين، من بين شهيد حى مرزوق، أو فتح قريب وظفر يسير، فكفى كل رجل ما يليه ولم يكل قرنه إلى أخيه، فإذا قضيت أمرى فاستعدوا، فإنى مكبر ثلاثا، فإذا كبرت الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية فليجمع عليه رداءه، وليشد عليه سلاحه وليتأهب للنهوض، فإذا كبرت الثالثة فإنى حامل إن شاء الله، فاحملوا معا، اللهم أعز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك.
وفى رواية «1» إنه قال: اللهم إنى أسألك أن تقر عينى بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار، ثم اقبضنى بعد ذلك على الشهادة، أمنوا يرحمكم الله، فأمنا وبكينا.
فلما فرغ النعمان من التقدم إلى أهل المواقف رجع إلى موقفه، فكبر الأولى والثانية والثالثة، والناس سامعون مطيعون مستعدون للمناهضة ينحى بعضهم بعضا عن سننه، وحمل النعمان وحمل الناس، وراية النعمان تنقض نحوهم انقضاض العقاب، فالتقوا بالسيوف فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بوقعة يوم قط كانت أشد منها قتالا، فقتلوا فيها من أهل فارس فيما بين الزوال والإعتام ما طبق أرض المعركة دما، يزلق الناس والدواب، وأصيب فرسان من فرسان المسلمين فى الزلق فى الدماء، منهم النعمان أميرهم، زلق فرسه فى الدماء فصرعه، فأصيب عند ذلك، رحمه الله، وتناول الراية منه قبل أن تقع أخوه نعيم بن مقرن، وسجى النعمان بثوب، وأتى حذيفة بالراية فدفعها إليه، وكان اللواء مع حذيفة.
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 132) .

الصفحة 566