كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
وقال المغيرة: اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع الله فينا وفيهم؛ لئلا يهن الناس، فاقتتلوا حتى إذا أظلم الليل عليهم انكشف المشركون وذهبوا، والمسلمون ملظون بهم، فعمى على المشركين قصدهم، فتركوه وأخذوا نحو اللهب وهو الخندق الذى كانوا آنزلوا دونه، فوقعوا فيه، فمات فيه منهم مائة ألف أو يزيدون، سوى من قتل منهم فى المعركة، وهم أعداد الذين هووا، ولم يفلت إلا الشريد، ونجا الفيرزان من بين الصرعى فى المعركة، فهرب نحو همدان فى ذلك الشريد، فتبعهم نعيم بن مقرن، وقدم القعقاع فأدركه حين انتهى إلى ثنية همدان، والثنية مشحونة من بغال وحمير موقورة عسلا، فحبسه على أجله، فقتله على الثنية بعد ما امتنع، لم يزل يتوقل فى الجبل لما غشيه إذ لم يجد مساغا، وتوقل القعقاع فى أثره حتى أخذه، واستاق العسل وما خالطه من سائر الأحمال، فأقبل به، وسميت تلك الثنية بذلك: ثنية العسل. وقال القعقاع فى ذلك:
قولا لأصرام بأكناف الجبل ... بأن لله جنودا من عسل
تقتل أحيانا بأسياف الأجل
ومضى الفلال حتى انتهوا إلى مدينة همدان فدخلوها والخيل فى آثارهم، فنزلوا عليها وحووا ما حولها، فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم على أن يضمن لهم همدان ودستى، وأن لا يؤتى المسلمون منهم، فقبل المسلمون ذلك وأجابوا إليه، وآمنوهم فأقبل كل من كان هرب، ولما بلغ الخبر أهل الماهين بأن همدان قد أخذت، ونزلها نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو اقتدوا بخسروشنوم، فراسلوا حذيفة فأجابهم إلى ما طلبوا، فأجمعوا على إتيانه، فخدعهم دينار، وكان ملكا إلا أنه كان دون أولئك الملوك، وأتى إلى المسلمين فى الديباج والحلى، فأعطاهم حاجتهم واحتمل لهم ما أرادوا، فعاقدوه عليهم، ولم يجد الآخرون بدا من متابعته والدخول فى أمره، فقيل لأجل ذلك: ماه دينار، فنسبت إليه، وذهب حذيفة بها، وكان النعمان بن مقرن قد عاهد بهراذان على مثل ذلك، فقيل: ماه بهراذان، فنسبت إليه لأجل ذلك، ووكل النسير بن ثور بقلعة قد كان لجأ إليها قوم فحاصرها فافتتحها، فنسبت إلى النسير.
وفى غير هذا الحديث «1» أن أهل نهاوند خرجوا ذات يوم على المسلمين فلم يلبثهم المسلمون أن هزموهم، وتبع سماك بن عبيد العنسى رجلا منهم معه نفر ثمانية على أفراس لهم، فبارزهم فلم يبرز له أحد منهم إلا قتله حتى أتى عليهم، ثم حمل الفارسى الذى كانوا معه فأسره سماك وأخذ سلاحه، ووكل به رجلا، فقال: اذهبوا بى إلى
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 135، 136) .