كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

وفى بعض ما ذكره الطبرى «1» عن سيف عن شيوخه أن انبعاث الأعاجم للاجتماع بنهاوند كان بدؤه فى زمان سعد بن أبى وقاص بالكوفة، وإليه بلغ الخبر فأعلم به عمر، ثم انبرى لسعد قوم تشكوا منه ظالمين له إلى عمر، أحدهم الجراح بن سنان الأسدى، فاستقدمه عمر مع محمد بن مسلمة، بعد أن وجه محمدا لسؤال أهل الكوفة عنه، والطواف به على مساجدها، فكلهم يقول إذا سئل: لا نعلم إلا خيرا، ولا نشتهى به بدلا، إلا الجراح وأصحابه فإنهم كانوا يسكتون، يتعمدون ترك الثناء، ولا يسوغ لهم قول الشر، حتى انتهوا إلى بنى عبس، فقال محمد: أنشد الله رجلا علم حقا إلا قاله.
فقال أسامة بن قتادة: اللهم إذ نشدتنا فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يعدل فى الرعية، ولا يغزو فى السرية. فقال سعد: اللهم إن كان قالها كاذبا رياء وسمعة فأعم بصره، وأكثر عياله، وعرضه لمضلات الفتن. فعمى، واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يجسها، فإذا غير عليه يقول: دعوة سعد الرجل المبارك.
ثم أقبل سعد يدعو على أولئك النفر الذين انبروا له وخرجوا إلى عمر متشكين به، فقال: اللهم إن كانوا خرجوا أشرا وبطرا وكذبا فأجهد بلاءهم، ففعل الله ذلك بهم، فقطع جراح بالسيوف يوم ثاور الحسن بن على ليغتاله بساباط، وشدخ قبيصة بالحجارة، وقتل أربد بالوجء وبنعال السيوف. وقال سعد: والله إنى لأول رجل هراق دما فى المشركين، ولقد جمع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، وما جمعهما لأحد قبلى، ولقد رأيتنى خمس الإسلام، وبنو أسد تزعم أنى لا أحسن أصلى وأن الصيد يلهينى. وخرج محمد بن مسلمة به وبهم حتى قدموا على عمر، فقال: يا سعد، ويحك! كيف تصلى؟ فقال: أطيل الأوليين، وأحذف الأخريين، فقال: هكذا الظن بك، ثم قال: لولا الاحتياط لكان سبيلهم بيننا، ثم قال: من خليفتك يا سعد على الكوفة؟ فقال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان، فأقره عمر واستعمله.
قال «2» : فكان سبب نهاوند وبدء مشورتها وبعوثها فى زمان سعد، وأما الوقعة ففى زمان عبد الله.
وكان من حديثهم أنهم نفروا لكتاب يزدجرد، فتوافوا إلى نهاوند مائة وخمسين ألف مقاتل، واجتمعوا على الفيرزان، وإليه كانوا توافوا، ثم قالوا: إن محمدا الذى جاء العرب بالدين لم يغرض غرضا، يريدون النبى صلى الله عليه وسلم، قالوا: ثم ملكهم أبو بكر من بعده فلم يغرض
__________
(1) انظر: الطبرى (4/ 120) .
(2) انظر: الطبرى (4/ 122) .

الصفحة 569