كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

غرض فارس، إلا فى غارة تعرض لهم فيها، وإلا فيما يلى بلادهم من السواد، ثم ملك عمر فطال ملكه وغرض، حتى تناولكم وانتقضكم السواد والأهواز وأوطأها، ثم لم يرض حتى أتى أهل فارس فى عقر دارهم، وهو آتيكم إن لم تأتوه، وقد أخذ بيت مملكتكم فاقتحم بلاد ملككم، وليس بمنته حتى تخرجوا من فى بلادكم من جنوده وتقلعوا هذين المصرين، ثم تشغلوه فى بلاده وقراره، فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا، وكتبوا بينهم به كتابا.
وبلغ الخبر سعدا، فكتب به إلى عمر، ثم لقيه بالخبر مشافهة لما شخص إليه، وقال:
إن أهل الكوفة يستأذنونك فى الانسياح إليهم ومبادرتهم الشدة، وكان عمر منعهم من الانسياح فى الجبل، ثم كتب إليه عبد الله بن عبد الله بمن اجتمع منهم، وقال: إن جاؤنا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك عليهم، وبعث بكتابه مع قريب بن ظفر العبدى.
فلما قرأ عمر الكتاب قال للرسول: ما اسمك؟ قال: قريب، قال: ابن من؟ قال: ابن ظفر، فتفاءل إلى ذلك، وقال: ظفر قريب إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونودى فى الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وحينئذ وافاه سعد، فتفاءل أيضا إلى سعد بن مالك، وقام عمر على المنبر خطيبا، فأخبر الناس الخبر، واستشارهم، وقال: هذا يوم له ما بعده من الأيام، ألا وإنى قد هممت بأمر وإنى عارضه عليكم، فاسمعوه ثم أجيبونى وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، ولا تكثروا ولا تطلبوا، فتفشع بكم الأمور، ويلتوى عليكم الرأى، أفمن الرأى أن أسير فيمن قبلى ومن قدرت عليه حتى أنزل منزلا واسطا بين المصرين، فأستنفرهم ثم أكون لهم ردآ حتى يفتح الله عليهم ويقضى ما أحب؟.
فقام عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف فى رجال من أهل الرأى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرى ذلك، ولكن لا يغيبن عنهم رأيك وأمرك، وبإزائهم وجوه العرب وفرسانهم وأعلامهم ومن قد فض جموعهم وقتل ملوكهم وباشر من حروبهم ما هو أعظم من هذا، وإنما استأذنوك ولم يستصرخوك، فأذن لهم، واندب إليهم، وادع لهم، فقام على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فقال: أصاب القوم يا أمير المؤمنين الرأى، وفهموا ما كتب به إليك، وإن هذا الأمر لم يبن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا لقلة هو دينه الذى أظهر، وجنده الذى أعز وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ، ونحن على موعود من الله سبحانه، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكانك منهم مكان

الصفحة 570