كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

فتح الرى «1»
وخرج نعيم بن مقرن إلى الرى فلقيه أبو الفرخان مسالما، ومخلفا بالرى يومئذ سياوخش بن مهران بن بهرام، وكان سياوخش قد استمد أهل دنباوند وطبرستان وقرمس وجرجان، وقال: قد علمتم أن هؤلاء إن حلوا بالرى، إنه لا مقام لكم، فاحتشدوا له، فناهد بهم المسلمين، فالتقوا بسفح جبل الرى الذى إلى جانب مدينتها فاقتتلوا به.
وقد كان أبو الفرخان قال لنعيم: إن القوم كثير وأنتم فى قلة، فابعث معى خيلا أدخل مدينتهم من مدخل لا يشعرون به، وناهدهم أنت، فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك. فبعث معه نعيم من الليل خيلا عليها ابن أخيه المنذر بن عمرو، فأدخلهم المدينة، ولا يشعر القوم، وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا حتى سمعوا التكبير من ورائهم، فانهزموا، فقتلوا مقتلة عدوا فيها بالقصب، وأفاء الله على المسلمين بالرى نحوا من فىء المدائن، وصالح أبو الفرخان نعيما على أهل الرى، فلم يزل بعد شرف الرى فى آله، وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينة الرى، وهى التى يقال لها العتيقة، وأمر أبا الفرخان فبنى مدينة الرى الحدثاء، وكتب لهم نعيم كتابا أعطاهم فيه الأمان لهم ولمن كان معهم من غيرهم، على أن على كل حالم من الجزية طاقته فى كل سنة، وعلى أن ينصحوا ولا يغلوا ولا يسلوا، ويدلوا المسلم ويقروه يوما وليلة، ويفخموه، فمن سب مسلما أو استخف به نهك عقوبة، ومن ضربه قتل، ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد غير جماعته.
وراسل عند ذلك نعيما مردانشاه مصمعان نهاوند فى الصلح على شىء يفتدى به من غير أن يسأله النصر والمعونة، ففعل ذلك نعيم، وكتب له به ولأهل موضعه كتابا على أن يتقى من ولى الفرج بمائتى ألف درهم فى كل سنة.
وقال أبو بجيد فى يوم الرى:
ألا هل أتاها أن بالرى معشرا ... شفوا سقما لما استجاشوا وقتلوا
لها موطنان عاينوا الهلك فيهما ... بأيد طوال لم يخنهن مفصل
وخيل تعادى لا هوادة عندها ... وزاد وكمت تمتطى ومحجل
__________
(1) انظر الخبر فى: الطبرى (4/ 150، 151) ، البداية والنهاية لابن كثير (7/ 121، 122) ، نهاية الأرب للنويرى (19/ 264- 265) .

الصفحة 578