كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)
فلما أطل عليه عبد الرحمن بن ربيعة بالباب كاتبه شهربراز واستأمنه على أن يأتيه، فأمنه عبد الرحمن على ذلك، فأتاه فقال: إنى بإزاء عدو كلب وأمم مختلفة، لا ينسبون إلى أحساب، وليس ينبغى لذى العقل والحسب أن يعين أمثال هؤلاء ولا يستعين بهم على ذوى الأحساب والأصول، وذو الحسب قريب ذى الحسب حيث كان، ولست من الفتح فى شىء ولا من الأرض، وإنكم قد غلبتم على بلادى وأمتى، فأنا اليوم منكم يدى مع أيديكم، وصبرى معكم، فمرحبا بكم، وبارك الله لنا ولكم، وجزيتنا إليكم، ولكم النصر والقيام بما تحبون، ولا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم.
فقال عبد الرحمن: فوقى رجل قد أظلك فسر إليه، فجوزه، فسار إلى سراقة، فلقيه بمثل ذلك، فقال له سراقة: قد قبلت ذلك فيمن كان معك على هذا ما دام عليه، ولا بد من الجزاء على من يقيم ولا ينهض، فقبل ذلك شهربراز، وصارت سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين، وفيمن يستنفر من أهل الجزية، فتوضع عنه جزية تلك السنة التى استنفر فيها.
وكتب سراقة إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بذلك، فأجازه وحسنه، وليس فى تلك البلاد التى فى ساحة الجبال نبك لم يقم الأرمن بها إلا على أوفاز، وإنما بها سكان ممن حولها ومن الطراء استأصلت الغارات نبكها من أهل القرار، وأرز أهل الجبال منهم إلى جبالهم، وجلوا عن قرار أرضهم، فكان لا يقيم بها إلا الجنود ومن أعانهم أو تجر إليهم.
واكتتبوا من سراقة بن عمرو كتابا بالأمان لشهربراز وسكان أرمينية والأرمن، على أنفسهم وأموالهم وملتهم، لا يضارون ولا ينتقضون، وعلى أهل أرمينية والأبواب، الطراء منهم والتناء ومن حولهم، فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة، وينفروا لكل أمر رآه الوالى صلاحا، ناب أو لم ينب، على أن توضع على من أجاب إلى ذلك الجزاء، ومن استغنى منهم فقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنزول يوما كاملا، فإن حشروا وضع ذلك عنهم، وإن تركوا أخذوا به.
ثم إن سراقة بن عمرو وجه بعد ذلك بكير بن عبد الله وحبيب بن مسلمة، وكان عمر أمد به سراقة، وحذيفة بن أسيد وسلمان بن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية، فوجه بكيرا إلى موقان، وحبيبا إلى تفليس، وحذيفة إلى من بجبال اللان، وسلمان إلى وجه آخر.