كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

فلما حصر قيل له، ألا تقاتل؟ قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى عهدا فأنا صابر نفسى عليه.
وضايق الناس عثمان رضى الله عنه وانبسطوا عليه، وآذوه، وهو صابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم راض بقضاء الله فيه، آمر بكف الأسلحة والأيدى، كل من انبعث لنصره، واق للمؤمنين بنفسه.
حدث عبد الله بن ربيعة أنهم كانوا معه فى الدار، فلما سمع أنهم يريدون قتله قال:
ما أعلم أنه يحل دم المؤمن إلا الكفر بعد الإيمان، والزنا بعد الإحصان، أو قتل نفس بغير حق، وأيم الله، ما زنيت فى جاهلية ولا إسلام، وما ازددت للإسلام إلا حبا، ولا قتلت نفسا بغير حق، فعلام تقتلوننى؟ ثم عزم علينا أن نكف أيدينا وأسلحتنا، وقال: إن أعظمكم غناء أكفكم ليده وسلاحه.
وقال أبو هريرة لأهل الدار وهو معهم فيها: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«تكون بعدى فتن وأمور» ، قلنا: فأين الملتجأ منها يا رسول الله؟ قال: «إلى الأمين وحزبه» ، وأشار إلى عثمان. فقام الناس فقالوا: قد أمكنتنا البصائر، فإذن لنا فى الجهاد، فقال عثمان: أعزم على من كانت لى عليه طاعة أن لا يقاتل.
ومما ينسب إلى كعب بن مالك يذكر هذه الحال من عثمان بعد قتله رضى الله عنه وقال مصعب: هى لحسان، وقال ابن أبى شبة: هى للوليد بن عقبة:
فكف يديه ثم أغلق بأبه ... وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار لا تقتلونهم ... عفا الله عن ذنب امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله ألقى عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار السحاب الحوامل
وقال ابن عمر لبعض من وقع عنده فى عثمان: أما والله ما تعلم عثمان قتل نفسا بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكن هو هذا المال إن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه ذوى قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، ولا يتركون أميرا إلا قتلوه، وفاضت عيناه من الدمع، وقال: اللهم إنا لا نريد ذلك.
وحسب عثمان، رضى الله عنه، من الفضل العظيم، والحظ الجسيم، إلى ما له فى الإسلام من الآثار الكرام والنفقات التى بيضت وجه النبى عليه السلام قوله صلوات الله عليه: أنت وليى فى الدنيا والآخرة.

الصفحة 624