كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الأطام
قبض النبى محمد فعيوننا ... تذرى الدموع عليه بالتسجام
قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومى فزعا، فنظرت إلى السماء، فلم أر إلا سعد الذابح، فتفاءلت به، ذبح يقع فى العرب، وعلمت أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قبض، أو هو ميت من علته، فركبت ناقتى وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به، فعن لى شيهم يعنى القنفذ قد قبض على صل يعنى الحية فهى تلتوى عليه، والشيهم يقضها حتى أكلها، فزجرت ذلك وقلت: شيهم شىء مهم، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر، فحثثت ناقتى حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر فأخبرنى بوفاته، ونعب غراب سانح، فنطق بمثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عن لى فى طريقى، وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت المسجد، فوجدته خاليا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت بابه مرتجا، وقيل إلى الأنصار، فجئت إلى السقيفة، فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالما مولى أبى حذيفة وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤهم: حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم، فآويت إلى قريش وتكلمت الأنصار، فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب، وتكلم أبو بكر رضى الله عنه فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخطاب، والله لقد تكلم لكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه، ثم تكلم عمر رضى الله عنه بعده دون كلامه، ومد يده وبايعوه، ورجع أبو بكر ورجعت معه.
قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه.
ثم أنشد أبو ذؤيب يبكى النبى صلى الله عليه وسلم:
لما رأيت الناس فى غسلاتهم ... ما بين ملحود له ومضرح
متبادلين لشرجع بأكفهم ... نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم ومن بيت ... جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجيال يثرب كلها ... ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته ... بمصابه وزجرت سعد الأذبح
وذكر الزبير بن أبى بكر بإسناد له إلى هشام بن عروة: أن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفى:

الصفحة 64