كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

أولئك خيار الحى فهر بن مالك ... وأنصار هذا الدين من كل معتدى
ولما انتهت إلى همدان وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمت سفاؤهم بما كرهت ظماؤهم، فقال عبد الله بن مالك الأرض، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له هجرة وفضل فى دينه، فاجتمعت إليه همدان، فقال:
يا معشر همدان، إنكم لم تعبدوا محمدا، إنما عبدتم رب محمد، وهو الحى الذى لا يموت، غير أنكم أطعتم رسولكم بطاعة الله فدعاكم فأجبتموه، وهداكم فاتبعتموه، واعلموا أنه ولى نعمتكم فى دينكم ودنياكم، فأما دينكم فاستنقذكم الله به من النار، وأما دنياكم فاستنقذكم الله به من الرق، ولم يكن الله ليجمع صحابة رسوله على ضلال، وقد وعدهم أن يهديهم عندما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فأطيعوا من اختاروا، وقدموا من قدموا، فى كلام غير هذا تكلم به على هذا المثال، ونسجه على هذا المنوال.
وقال فى ذلك:
لعمرى لئن مات النبى محمد ... لما مات يا ابن القيل رب محمد
وما كان إلا مرسلا برسالة ... ليبلغها والحادثات بمرصد
ولما قضى من ذاك ما كان قاضيا ... ولم يبق شىء فيه إلحاد ملحد
دعاه إليه ربه فأجابه ... فيا خير غورى ويا خير منجد
وما نحن إلا مثل من كان قبلنا ... فريقين شتى كافر وموحد
ونحن على ما كان بالأمس بيننا ... من الدين نهدى من أراد فيهتدى
ثم قام ابن ذى مران، وكان من سادات همدان وملوكهم، فتكلم فيهم، فأطال نفس الكلام، وحرض على التمسك بالدين، وحمل على الطاعة للقائم بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يرثيه ويتفجع للمصيبة فيه:
إن حزنى على الرسول طويل ... ذاك منى على الرسول قليل
قلت والموت يا إمام كريه ... ليتنى مت يوم مات الرسول
ليتنى لم أكن بقيت فواقا ... بعده والفواق منى طويل
بكت الأرض والسماء عليه ... وبكاه خليله جبريل
يا لها رحمة أصيب بها النا ... س تولت وحان منها الرحيل
جدعت منهم الأنوف فللقل ... ب خفوق وللجفون همول
ليس للناس إمام من الأم ... ر فتيل وأين منك الفتيل

الصفحة 68