كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

إنما الأمر للذى خلق الخل ... ق وفى خلقه عليه دليل
فى أبيات غير هذه يؤنس فيها المهاجر بن أبى أمية بن المغيرة، وكان أميرا عليهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عند قومه من حسن الطاعة له والقيام فى الحق معه.
ثم قام ابن ذى المشغار، وكان ملك أهل ناحيته، وكان متألها، فتكلم أيضا فى هذا النحو بكلام حسن، نظما ونثرا، فلما فرغ من مقالته أتاه مسروق بن الحارث القوال الأرحبى، فقال له:
أيها الملك، إنه لا يعرف عندك فى قريش إلا رجل مثلى من قومك، أنا القوال ابن القوال، الفارس ابن الفارس، ابعثنى إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقوم مقاما شريفا أباهى به فيك الناس.
فسرحه، فلما قدم مسروق على أبى بكر رضى الله عنه تهيأت له قريش، وقالوا:
خطيب همدان وفتاها، فتكلم عندهم بكلام تركنا ذكره وذكر ما أنشد معه من الشعر، إذ ليس مناسبا لما نحن الآن بسبيله من ذكر مراثى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت قريش شعره وخطبته، عجبت منه، وكان معه عبد الله بن سلمة الهمدانى، فقام فقال: يا معشر قريش، إنكم لم تصابوا بنبى الله صلى الله عليه وسلم دون سائر العرب، لأنه لم يكن لأحد دون أحد، وأيم الله، لا أدرى أى الرجلين أشد حزنا عليه، وأعظم مصابا به، من عاينه فغاب عنه عيانه، أو من أشرف على رؤيته، فلم يره؟ غير أنا معترفون للمهاجرين بفضل هجرتهم، وللأنصار بفضل نصرتهم، والتابع ناصر، والمؤمن مهاجر فى كلام غير هذا صدر عن قلب مؤمن، وجأش به خاطر شديد، فأثنى عليه أبو بكر خيرا، وحمدته قريش، وكان سيدا، فقال:
إن فقد النبى جدعنا اليو ... م فدته الأسماع والأبصار
وفدته النفوس ليس من المو ... ت فرار وأين أين الفرار
ما أصيبت به الغداة قريش ... لا ولا أفردت به الأنصار
دون من وجه الصلاة إلى الل ... هـ وقد هنئت به الكفار
ورجال منافقون شمات ... ويوم واروه كفرهم إسرار
من بكته السماء تسعدها الأر ... ض وبكت بعد القفار البحار
وسرافيل قد بكاه وجبري ... ل وميكال والملأ الطهار
يا لها كلمة يضيق بها الحل ... ق أتانا بنقلها السفار

الصفحة 69