كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 2)

عفو عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم من نعمة الله وسطهم ... دليل به نهج الطريق يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه ... إلى كتف يحنو عليهم ويمهد «7»
فبينا هم فى ذلك النور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا ... يبكيه جن المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحى تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها ... فقيد نبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيها مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التى ... على الناس منها سابغ يتغمد
فجودى عليه بالدموع وأعولى ... لفقد الذى لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالدا ... إذا ضن معطاء بما كان يتلد «8»
وأكرم صيتا فى البيوت إذا انتهى ... وأكرم جدا أبطحيا يسود «9»
وأمنع ذروات وأثبت فى العلا ... دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا فى الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه ... على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه ... فلا العلم محبوس ولا الرأى يفند
أقول ولا يلقى لما قلت عائب ... من الناس إلا عازب العقل مبعد «10»
وليس هواى نازعا عن ثنائه ... لعلى به فى جنة الخلد أخلد
__________
(7) الكنف: أى الجانب والناحية.
(8) الطريف: المال المستحدث. والتالد: المال القديم الموروث. وضن: أى بخل. ويتلد: أى يكتسب قديما.
(9) الصيت: أى الذكر الحسن. والأبطحى: المنسوب إلى أبطح مكة، وهو موضع سهل متسع.
(10) عازب العقل: بعيد العقل غائبه.

الصفحة 73