كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِهَا وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهَيْنِ فِي الْعُدَّةِ.
وَهَذَا شَيْءٌ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَقْرَبِ إذَا كَانَ أَهْلًا فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبْعَدِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ) كَعَمٍّ حُرٍّ (عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ) كَأَخٍ رَقِيقٍ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ وِلَايَةٌ، وَالْحُرُّ أَكْمَلُ فَهُوَ بِهَا أَلْيَقُ، وَقِيلَ الْعَبْدُ أَوْلَى لِقُرْبِهِ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الرَّقِيقُ الْقَرِيبُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا، بِخِلَافِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيَقِفُ) الْمُصَلِّي نَدْبًا مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ (عِنْدَ رَأْسِ) الذَّكَرِ (الرَّجُلِ) أَوْ الصَّغِيرِ (وَعَجُزِهَا) أَيْ الْأُنْثَى، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَلْيَاهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَحِكْمَةُ الْمُخَالَفَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِ الْأُنْثَى وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْخُنْثَى. أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَقِفُ فِي الصَّفِّ حَيْثُ كَانَ.
فَائِدَةٌ الْعَجِيزَةُ إنَّمَا تُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ، وَغَيْرُهَا يُقَالُ فِيهِ عَجُزٌ كَمَا يُقَالُ فِيهَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ) وَاحِدَةٌ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَالْجَمْعُ فِيهِ مُمْكِنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا؛ أَمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا؛ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَاتَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَصَلَّى عَلَيْهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلَ الْغُلَامَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَفِي الْقَوْمِ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ: رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ دُفْعَةً أُقْرِعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَقُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً جُعِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيُحَاذِيَ الْجَمِيع، وَقُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالْخِصَالُ الَّتِي تُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ أَوْ مَرْتَبَةِ قِدَمِ وَلِيٍّ السَّابِقَةِ ذَكَرًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ أُنْثَى، وَقُدِّمَ إلَيْهِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، ثُمَّ إنْ سَبَقَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ اسْتَمَرَّ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ أُخِّرَتْ عَنْهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ وَرَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَقَوْلُهُ: وَتَجُوزُ يُفْهِمُ أَنَّ الْأَفْضَل إفْرَادُ كُلِّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى قَبُولًا، وَلَيْسَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّ الْأَفْضَلَ الْجَمْعُ تَعْجِيلًا لِلدَّفْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

الصفحة 31