كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 2)

قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: يُبَادِرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّتِهِ.

وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQطَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: [الطَّوِيلُ]
إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: ذَنْبُ الْمَيِّتِ فِيمَا إذَا أَوْصَى الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ " مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً " وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ إرْثَاءُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ أَيَّامِهِ وَفَضَائِلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي، وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ.
وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ [الْكَامِل] :
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا.

(قُلْتُ هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) : أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ زِدْتُهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَالْفَطِنُ يَرُدُّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا إلَى مَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا لَاحْتَاجَ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهَا. قُلْتُ: وَفِي آخِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ الْمُنَافِي لِغَرَضِهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ (يُبَادَرُ) نَدْبًا (بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ) إنْ تَيَسَّرَ حَالًّا قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ مُسَارَعَةً إلَى فِكَاكِ نَفْسِهِ، لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ: أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَالًّا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُبَرِّئًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرِكَةِ (وَ) تَنْفِيذُ (وَصِيَّتِهِ) مُسَارَعَةً لِوُصُولِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَالْبِرِّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ، وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا.

(وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ) فَلَا يُكْرَهُ

الصفحة 44