كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا، وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ، وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ.

وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيِّتِ تَهْرِيَةٌ بِحَرِيقٍ أَوْ لَذْعٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبُطُهُ إلَّا التَّابُوتُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَلْحَقَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِذَلِكَ دَفْنَهُ فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا التَّابُوتُ.

(وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (الدَّفْنُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ مَا عَدَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُفِنُوا لَيْلًا، وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إخْرَاجِ جَنَائِزِهِمْ نَهَارًا، وَعَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ (وَ) كَذَا يَجُوزُ (وَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ) بِلَا كَرَاهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا، وَهُوَ الْمَوْتُ (مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى الْمَتْنُ عَدَمَ الْجَوَازِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ، وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَحَرِّي الدَّفْنِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِالْفِعْلِ، وَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَصَوَّبَ فِي الْخَادِمِ كَرَاهَةَ تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ اللَّيْلِ، وَوَقْتِ الْكَرَاهَةِ (أَفْضَلُ) أَيْ فَاضِلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَافَ مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَى غَيْرِهِمَا تَغَيُّرًا لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ تَفْضِيلِ غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَتَّجِهُ صِحَّتُهُ، فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ.
وَيَرُدُّ ذَلِكَ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَالسُّنَّةُ غَيْرُهُمَا لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. .

فَرْعٌ: يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ قِيرَاطٌ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ وَالْحُضُورُ مَعَهُ إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا لِلْمُوَارَاةِ فَقَطْ قِيرَاطَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ: قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَلِمُسْلِمٍ «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ " حَتَّى يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ " وَهَلْ ذَلِكَ بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ أَوْ بِدُونِهِ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، لَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ التَّصْرِيحُ بِالْأَوَّلِ، وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ شَيَّعَ جِنَازَةً حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ» وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حَتَّى دُفِنَ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً: هَلْ يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا أَوْ لَا نَظَرًا لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حَمَاةَ الْبَارِزِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ)

الصفحة 54